ميدان العتبة الخضراء الزرقاء سابقًا في قلب القاهرة

من طرف محمد العابد الإثنين أغسطس 21, 2017 2:52 pm

سر تسمية ميدان العتبة الخضراء الزرقاء سابقًا في قلب القاهرة

على عكس المعتاد تخطفك بهجة الزحام على الرغم من قسوته، وأنت تقف في ميدان العتبة الشهير في قلب القاهرة، وسوف تضحك كثيرًا حينما يحضرك المشهد الذي يقوم فيه الممثل الكوميدي الشهير إسماعيل ياسين بقياس الميدان أمام مبنى المطافئ الأثري في فيلم «العتبة الخضرا» للمخرج فطين عبد الوهاب، حينما أقنع أحمد مظهر (المحتال) «سمعة الصعيدي» بشراء العتبة الخضراء بما فيها حتى الترام.

لكن المشهد الذي لا يمكن لمخرج أن يسيطر على أبطاله يتجسده واقعيًا بشكل يومي، في بشر يهرولون من كل اتجاه، حتى تكاد تحسبهم يهربون من مارد جبار، أو أنهم لا يعرفون إلى أين يتوجهون! أصوات الباعة في كل الأركان تدلل على بضائعها في موجة لا تنتهي من الشد والجذب والفصال بينهم وبين الزبائن، فقد أصبح الميدان أسيرًا لميليشيات الباعة الجائلين الذين يسيطرون على منافذه بشتى أنواع البضائع من الإبرة للصاروخ، وبأسعار زهيدة جدًا سواء لعب أطفال أو زهور الزينة أو ملابس مستوردة ومحلية أو ساعات يد وحائط، فما إن تخرج من محطة مترو أنفاق العتبة حتى تجد نفسك مدفوعًا

بقوة طوفان بشري، لا يكف عن اللهاث .

احتفظت العتبة بكونها مركزًا تجاريًا حيويًا منذ عهد الخديوي إسماعيل، فكان زائرها في بدايات القرن العشرين يشاهد كرنفالًا آخر، فهو يرى أجانب من جميع الجنسيات يتسوقون وهم يرتدون أبهى الملابس، وسيدات المجتمع المصري تميزهن قبعات النهار الفاتنة التي تغازلها الطرابيش الحمراء، تتخلل الصورة عربات الباعة الجائلين وبائعو العرقسوس المثلج، وكذلك الحناطير.

المعماري الفرنسي «هوسمان» الذي خطط الميدان في عهد إسماعيل منحه ميزة عن كل ميادين القاهرة بل مصر كلها، وهي أنه أصبح مركز القاهرة الجغرافي، فمنه تقاس المسافات من وإلى القاهرة،

لأنه يضم مبنى البوستة (البريد) الرئيسي بمصر، الذي كان يعرف في الماضي باسم مبنى البوستة الخديوية، وهو أقدم مبنى بريد ما زال موجودًا في مصر، وقد بدأ العمل فيه عام 1888.

كما انطلق منه ترام القاهرة، كما يقول المؤرخ الدكتور محمد سيد كيلاني: «إنه في أغسطس 1896 أقيمت حفلة تجريبية لإطلاق أول ترام، واصطف الآلاف على الجانبين يشاهدون أول مركبة سارت في العاصمة بقوة الكهرباء، والأولاد يركضون وراءها

وهم يرددون: العفريت العفريت».

وظلت العتبة مركزًا رئيسيًا للترام ثم الترولي باص الذي اختفى في السبعينات من القرن الماضي.

أحد أهم مناطق القاهرة على الإطلاق، وتعد مركزًا تجاريًا للعديد من أنواع التجارة والبضائع كانت تسمى فيما مضى بالعتبة الخضراء ولكن وجراء ما لحق بها من اعتداءات وما بني بها من عشوائيات حذفت كلمة الخضراء وبقيت على اسم العتبة.

الامتداد

يمثل ميدان العتبة الخضراء مع ميدان الأوبرا مربعًا فريدًا قاعدته عند شارع العشماوي حيث يوجد جامع درويش العشماوي ويحده من اليسار شارع الجمهورية حيث يمثل هذا الشارع مخارج لعدة شوارع هامه مثل شارع قصر النيل –شارع عبد الخالق ثروت –شارع عدلي – شارع 26 يوليو وكلها عند ميدان الأوبرا ..

أما الضلع العلوي فيمثل حديقة الازبكيه حيث يوجد نادي السلاح و تياترو الأزبكيه –المسرح القومي الآن- ثم نجد شارع البواكى –البوسته.

ويمين المربع يخرج منه عدة شوارع هامه منها شارع الجوهري-الجيش- الموسكي – محمد علي –وشارع عبد العزيز.

المباني الشهيرة

يضم ميدان العتبة وما حوله الكثير من المباني التاريخية منها مازال موجود ومنها ما تم هدمه مثل

سراي العتبة الخضراء «تم هدمها» مكانها الآن جزء من الميدان حيث يمر من فوقها كوبري الأزهر ومن تحتها نفق الأزهر.

دار الأوبرا الخديوية –احترقت – تم بناء جراج مكانها.

عمارة متاتيا – تم هدمها بسبب الزلزال وحفر نفق الأزهر – لا يوجد مكانها أي مبنى الآن.

مبنى البوسته المركزي- مازال موجود وتم تجديده.

مسجد ازبك وتم هدمه تقريبًا في عهد إسماعيل لإقامة توسعات بالميدان.

مسجد العظام – ومسجد درويش العشماوي وهو مازال موجود.

مبنى صندوق الدين.

مبنى المطافئ وقسم الموسكي.

تياترو الأزبكية –المسرح القومي الآن.

سراي العتبة الزرقاء

بني عبد الرحمن كتخدا قصرًا كبيرًا على الحافه الشرقية لبركة الأزبكية –وهو في نفس موقع بيت تاجر البن الشهير الحاج الشربيني المتوفي في 1734م- وكان يعرف ها القصر باسم «الثلاثة ولية» ويرجع هذا الاسم لوجود أعمده ملفوفة على مدخل القصر..وعرف بعد ذلك باسم سراي العتبة الزرقاء بسبب لون بوابته وعتبته بالون الأزرق.

ثم آلت هذه الدار إلى طاهر باشا الكبير ثم إلى طاهر باشا ناظر جمارك بولاق في عهد محمد على- ثم بعد ذلك إلى الوالي عباس حلمي الأول الذي هدمها وانشأ مكانها قصرًا كبيرًا أطلق عليه قصر العتبة الخضراء لأنه كان يتشاءم من اللون الأزرق والتي أهداه إلى والدته.

وفي عهد إسماعيل

عند تخطيط منطقه العتبة والأزبكية أصبحت سراي العتبة الخضراء تتوسط ميدان ازبك وميدان العتبة الخضراء.

وقد أعاد الخديوي إسماعيل تجديد هذه السرايا عام 1874م لتصبح مقرا لوزارة الخارجية مره وأخرى لتصبح مقرا لوزارة الداخلية- ويقال إنه عقد بها أول جلسات مجلس شورى النواب عند إنشاءه- ولكن في نهاية المطاف استقر الأمر لتصبح سراي العتبة الخضراء مقر للمحاكم المختلطة عام 1876م واستمر الحال كذلك حتى تم هدمها عند إعادة تخطيط ميدان العتبة ونقل مقر المحاكم المختلطة إلى شارع فؤاد(26يوليو) وهو الآن مبنى دار القضاء العالي.

ميدان الملكة فريدة

تغير اسم ميدان العتبة مرة واحدة، وهذا في عام 1938م عندما تزوج الملك فاروق من الملكة فريدة فأطلق على الميدان اسم ميدان الملكة فريدة، وكذلك أطلق على امتداد شارع عبد الخالق ثروت من ميدان الأوبرا إلى ميدان العتبة اسم شارع الملكة فريدة ولكن بعد الطلاق الملكي عام 1948م ليرجع الميدان إلى اسمه الأصلي.

مبنى صندوق الدين

أنشئ هذا المبنى بالأساس ليكون مقرًا لإدارة الدين المصري أيام الخديوي إسماعيل من قبل الدول الأوربية.. ويقع هذا المبنى في ميدان العتبة غرب مبنى البوسته وهو في الأساس جزء من قصر السيدة نفيسة البيضاء زوجة على بك الكبير ومن بعده مراد بك وكذلك دار البكري الذي كان يطل على الجهة الشرقية لبركةالأزبكية.

شغلت مديرية الشئون الصحية بالقاهرة هذا المبنى لفترة.

جامع العظام

يقع هذا الجامع عند شارع عبد العزيز من ناحية العتبة

الخضراء وبداخله ضريح الشيخ عبد القادر.

وترجع تسمية هذا الجامع بهذا الاسم إلى أنه كان يوجد مقابر في هذا المكان تسمى تربة الأزبكية أو تربة المناصرة وعند فتح شارع محمد على قسم هذه المقابر إلى نصفين فأنقطع الدفن في أواخر عهد محمد على باشا ..وعندما أراد الخديوي إسماعيل فتح شارع عبد العزيز أمر بهدم هذه المقابر فاشترت الحكومة جميع أراضى المقابر وتم نقل جزء من عظام المقابر إلى مقابر الإمام الشافعي والجزء الآخر في جامع العظام حيث تم بناء صهاريج للعظام وكانت تسمى بتكيه

العظام وبنى فوقها القبة بعد عهد إسماعيل.

متحف البريد

يقع هذا المتحف في ميدان العتبة الخضراء في مبنى البريد.

تم افتتاح هذا المتحف إثناء اجتماع مؤتمر البريد العالمي العاشر بالقاهرة في سنة 1934، وذلك إثناء حكم الملك فؤاد الأول، ثم تم تجديد المتحف مرة أخرى في عهد الرئيس «مبارك» ثم تم افتتاحه وذلك يوم (الثلاثاء) السابع من فبراير عام 1989، ويحتوى المتحف على أقسام عديدة أهمها القسم التاريخي الذي يعرض فيه مجموعة من أوراق البردي ( الرسائل القديمة ) والوثائق وعقود نقل البريد واللوائح البريدية.

عمارة ومقهى متاتيا

أقدم المباني المعمارية ذات الطابع التاريخي ( عمارة متاتيا ) والتي سميت على اسم المهندس الايطالي «متاتيا» الذي استعان به الخديوي إسماعيل عقب افتتاح قناة السويس لتخطيط مدينة القاهرة فقام بتخطيط حديقة الأزبكية وتصميم دار الأوبرا ( الملكية ) بميدان الأوبرا.

وقد أنشأت عمارة متاتيا سنة1875 وتعد أشهر

العمارات القديمة بمدينة القاهرة بشكل عام.

وكان يوجد بالعمارة (لوكا ندة) وهو المسمى القديم

للفنادق وكانت تسمى لوكا ندة مصر.

كما كان يوجد بالعمارة مقاهي وبارات شهيرة في ذلك الوقت وأهما مقهى كان يسمى مقهى المختلط ،والذي كان يسمى على اسم المحكمة المختلطة التي كانت توجد أمام المقهى في ميدان العتبة بالقرب من مبنى البريد.

وفى عام 1960 توقف مقهى متاتيا وتم تحويله وتقسيمه إلى محال تجارية متعددة.

تهدم عمارة متاتيا

تعرضت بعض أدوار عمارة متاتيا للهدم عقب تصدعات للعمارة أعقاب زلزال 1992 الشهير إلى أن قامت محافظة القاهرة بهدم العمارة كليًا عند بدأ تنفيذ مشروع نفقي الأزهر عام 1999 وذلك تنفيذ لقرار رئيس مجلس الوزراء بعد إخلاء العمارة من ساكنيها وتعويضهم التعويضات القانونية.

وكان مقهى متاتيا من أشهر المقاهي التي كانت في محيط الميدان الذي كان برلمانًا للثوار الذين مهدوا للثورة العرابية، حيث يلتفون حول الثائر جمال الدين الأفغاني. وكان في الميدان وعلى حوافه المحال الكبرى التي أقيمت على غرار محال باريس، ومنها: «عمر أفندي» و«أوروزدي بك»، و«سليم وسمعان صيدناوي» و«البيت المصري» و«داوود عدس»

ويتنوع البشر بميدان العتبة كل يسعى إلى غايته، فهذا باحث ينقب عن الكتب القديمة في سور الأزبكية، وسيدة حامل تتهادى متوجهة لدرب البرابرة لشراء مستلزمات «سبوع» طفلها الأول، وها هي فتاة تتأبط ذراع والدتها ومعها ورقة بقائمة طلبات الزفاف وتتشاور مع والدتها بحيرة بالغة حول وجهتهما هل تقصدان الموسكي لشراء الأقمشة، أم حمام الثلاثاء «التلات» الذي يشتهر ببيع الأدوات المنزلية، أم درب البرابرة إمبراطورية النجف والثريات والتحف، أم المناصرة أكبر تجمع للأثاث، وشاب ثلاثيني يتوجه لشارع عبد العزيز، مركز بيع الأجهزة الكهربائية، وشيخ يسير بهوادة متوجهًا لشارع الأزهر، ورجل يلهث متوجهًا لميدان الأوبرا يصطحب سائحًا

ويروي على مسامعه معالم المنطقة.

فمن ميدان العتبة يمكنك التوجه إلى شوارع القاهرة

جميعها تستمد حيويتها من روح الميدان.

[b]يزدان الميدان بباقة من المباني الشامخة الرائعة المتنوعة الطرز ما بين عصر الروكوكو والطراز الإنجليزي أو الفلورنسي تتحدى سفور المباني الحديثة، ومن أشهر معالم الميدان مبنى «تيرينج» بقبته المعمارية الرائعة الجمال وهو المبنى المصمم على طراز «النيو باروك»، ووفقًا لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي «cultnat» فإن محلات «تيرينج» الشهيرة قام بتشييدها النمساوي فيكتور تيرينج 1912، بمساعدة شقيقيه غوستاف وكونراد بعد أن قاموا بافتتاح أول فرع لهم بمدينة فيينا في عام 1882.[/b]

وفي عام 1910 جاءوا إلى مصر وتم افتتاح

أول فرع لهم بميدان العتبة الخضراء.

وكان «تيرينج» يتكون من الداخل من مجموعة من الورش والمحلات الشعبية الصغيرة، لكنه ترك للعتبة شهرتها كمركز لتصليح الساعات..

وكانت المحلات تنافس في أناقتها وجودة بضاعتها محلات لندن وباريس، ومنها محلات «هورنستينز»، و«فيتيل»، و«ليبتون»، بالإضافة إلى البازارات ومحلات المانيفاتورة

والرهونات التي كان يملكها اليهود.

هكذا يتذكر جورج ميشيل (77 سنة) أقدم سكان العتبة متنهدًا: «هو ده حال الدنيا مفيش شيء بيفضل على حاله، الآن أصبحت حيًا شعبيًا تمامًا وعلى الرغم من ذلك تأتي الطبقة الراقية لشراء لوازمها، لأن العتبة معروف أنها أرخص مكان في مصر، ولم يعد الميدان يخلو من الزحام ليل نهار فهو ممتلئ بالناس 24 ساعة.».

وتغيرت نوعية البضائع التي تباع بميدان العتبة، فمن أجود أنواع الأقمشة والمنتجات المستوردة من أوروبا، إلى البضائع رخيصة الثمن الآتية من الصين ودول جنوب شرقي آسيا، وبات الميدان قبلة لمتوسطي الحال لشراء ما يلزمهم .