الديانات القديمة بين الأسطورة والحقيقة..عبدالرحيم رجب

من طرف **Admin** الأحد يوليو 23, 2017 3:00 am

الديانات القديمة بين الأسطورة والحقيقة..

1- العبادات في مصر الفرعونية

عبدالرحيم رجب

ارتبط الإنسان منذ نشأته بخالقه، وسرُّ وجودِهِ في هذه الحياة الغامضة الموحشة من حوله، فاحتلت العبادات والشعائر والطقوس الدينيَّة مكانًا بارزًا في حياته تقرُّبًا لخالقه واستقواءً به على ما يواجهه من مشاقِّ الحياة وصعابها، مما انعكس على حياة الأمم القديمة إيجابًا وسلبًا؛ فكلما علا الوازع الديني كلما ارتقت تلك الأمم في سلوكها ونهجها الحضاري، وكلما قلَّ ذلك الوازع تدنت سلوكياتهم وانحدرت، كما كان للعامل الديني الفضل في تحديد الأُطُر العامة للأعراف والعادات والتقاليد والقوانين في الحضارات القديمة المتعاقبة، فكان له
أثره البالغ في صياغة أُسُس الحياة.

ولقد ذكر العلماء مرور الأديان بثلاثة أطوارٍ مرت بها الأمم البدائية في اعتقادها بفكرة الآلهة والأرباب؛ وهي: دور التعدد، دور التمييز والترجيح، دور الوجدانية، ولأهمية الدين عند البشر منذ بدء الخليقة يقول الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي هنري جونسون: "لقد وجد وتوجد جماعات إنسانيّة لا يوجد عندها علوم وفنون وفلسفات!، ولكن لم توجد جماعة قط بغير معابد"، وجاء في معجم لاروس للقرن العشرين ما نصه: "إنّ الغريزة الدينيّة مشتركة بين الأجناس البشريّة، حتى أشدُّها همجيّة وأقربها إلى الحياة البدائية.. وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالميّة الخالدة".

رع
بشر لكنه إله!!

منذ قديم الأزل عجزت بعض العقول البشريَّة عن إدراك المعجزات والأعمال الخارقة للعادة والبركات على يد بعض الناس؛ ومن هنا صوَّر هؤلاء أن روحًا إلهيَّة حلَّت في تلك الأجسام البشريّة فولدت من هنا فكرة الألوهيّة البشريّة، فظهر الإله المُدبِّر للكون "فشنو"، والإله الجبار القوي "سيفا" في الأساطير الهندية القديمة، وهكذا تنوعت الأديان والمعبودات على مرِّ الزمان وباختلاف المكان، كما اختلفت المعبودات باختلاف حاجات البشر؛ فمنهم من عبد الأنهار والبحار واعتبرها مصدرًا للحياة والخير الوفير، كما عبد بعضهم الجبال معتبرها رمزًا للقوة والشموخ والصمود، كما عبد بعضهم الكواكب والنجوم معتبرينها رمزًا للهداية والرشاد ودليلهم إلى النجاة في البرِّ والبحر، فحاكوا حولها الأساطير التي تُشيد بعظمة هذه الكواكب الآلهة، ومنهم من عبد الشمس أو القمر أو كليهما معًا، كما صنع بعضهم تماثيلً لملوكٍ عظامٍ أو جبابرةٍ أحياءٍ أو أمواتٍ ليطلب منهم العون ويسترضيهم.

وفي السطور التالية نغوص سويًا مع الأديان القديمة في شتى الحضارات القديمة متعرضين إلى مولدها ونشأتها وأصحابها الذين ولدت على أيديهم إيمانًا وتصديقًا منهم.

1- الديانات القديمة في مصر الفرعونية

تميّزت الديانات في مصر الفرعونية بالسمو والتحضر عن مثيلاتها من الديانات القديمة والتي استنها البشر في الأزمنة السحيقة؛ حيث طوّرت العبادات المصرية القديمة من عبادة الروح إلى عبادة الآلهة المتعددة؛ وما انبثق عنها من التزامٍ في السلوك والتصرفات والقوانين الحاكمة لتلك الجماعات في تلك الفترات.

أمون.. إله الريح والخصوبة

أمون؛ هو إله الريح والخصوبة؛ عند قدماء المصريين وأحد الآلهة الرئيسيين لهم، وهو ربُّ "طيبة"، اندمج مع المعبود "رع" تحت اسم "أمون رع"، وبذلك رُبط "أمون" بعقيدة الشمس، وتبوأ مكانة الإله الرسمي للدولة منذ الأسرة الثانية عشرة، واستمر كذلك معظم فترات التاريخ المصري القديم، ويعني اسم "أمون"؛ أي: الخفي، وقد ورد اسم "أمون" لأول مرّةٍ في عصر الدولة الوسطى.

وقد شغل "أمون" مكانة المعبود الرسمي في مصر القديمة، وكان ذلك عندما تمكَّن الملك "سحتب إيب رع - أمنمحات الأول" من تأسيس الأسرة الثانية عشرة، فجعل منه المعبود الأول والرسمي للدولة وقتها، وكان هذا هو الجيل الأول للمعبود "أمون"، ثم جاءت النصوص التي تتحدث عن جيلٍ ثانٍ لنفس المعبود، يتجسَّد فيه "أمون" في صورة حيّة أخرى تذكرها النصوص باسم (Ir-tA)؛ أى: "خالق الأرض"؛ وتوصف هذه الحيّة بأنّها "أبو الثامون"، وهذا يعنى أن "أمون" في صورة الحيّة "خالق الأرض"، وهو يُمثِّل ابنًا لـ"أمون" الجدِّ، وأبًا لـ"الثامون".

كما أضافت التصوّرات الدينيّة جيلًا ثالثًا يتمثل في "الثامون" كأبناء، و المعبود "أمون"؛ هو أيضًا أحد أعضاء "الثامون"، والذين هم أبناء "أمون إم إيبت - أبو آباء الثامون"، وقد كان لهذا "الثامون" دور مساعد له في إتمام عملية الخلق، إذ أنهم خلقوا الضياء والشمس "رع"، وقد وصف "أمون ام إيبت"؛ بأنه "حـور، ابن إيـزة"، وهو هنا يُعبّر عن جيل ثالث وأخير في إطار الأجيال الثلاثة لـ"أمون".

ولقد سهلت طبيعة "أمون" الخفيّة اقترانه بالآلهة الأخرى؛ ففي طيبة ارتبط "أمون" بـ"مونتو" إلهها القديم، ثم جاء اقترانه بـ"رَع"، ثم جاء بعد ذلك اقترانه بآلهةٍ أخرى، فعرف بالأسماء "أمن ⁬رع ⁬أتوم، و أمن ⁬رع ⁬مونتو، و أمن ⁬رع ⁬حُراختي، و مين ⁬أمن"، ونلاحظ هنا أن "أمون" لم يندمج في الآلهة الأخرى لخلق إلهٍ جديد؛ بل كان اقترانه توحيدًا للقدرة الإلهيّة، وفي أوج عبادة "أمون ⁬رع"، اقتربت الديانة المصرية كثيرًا من التوحيد، حيث أصبح جميع الآلهة الآخرون أوجهًا لقدرته، أو تجلياتٍ له فأصبح هو الإله الأوحد والأعلى.

وكانت زوجته تدعى "أمونت" في أغلب الأحيان؛ وهي الصيغة المؤنثة لـ"أمون"، ولكنها غالبًا ما كانت تُعرَف بالاسم "موت"، و كان لها رأس إنسانة مرتدية التاج المزدوج للوجهين القبلي والبحري، وكان ابنهما هو "خونسو"؛ القمر، ومعًا شكّلُوا ثالوث طيبة.

وعدَّ بعض الباحثين "أمون" إلهًا حديثًا نسبيًا في الديانة المصرية القديمة؛ حيث أن عبادته في طيبة -حيث توجد أقدم معابده- لم توثق إلا ابتداءً من الأسرة الحادية عشرة، وأكّد البعض الآخر أنّ الحقيقة وجود ذكره في متون الأهرام التي ترجع لعصر الملك "أُناس" الأخير في الأسرة الخامسة، والتي تظهره كرمز للقوى الخالقة، متوافقًا مع دوره في ثامون هِرموبوليس، مما يعطي وجوده قدمًا أكبر.

ولقد تمتع "أمون" بشعبيّةٍ كبيرةٍ بين الناس، حيث كان يُنادَى بنصير الفقراء، وأنه يحمي الضعيف من القوي، وحامي العدالة، وكان على من يطلب العون من "أمون" أن يُثبت نقاؤه أو أن يتطهر من ذنوبه أولًا.

مونت
أمون إله قومي لمصر

عندما حمل ملوك الأسرة الثامنة عشرة السلاح إلى خارج الحدود المصرية وقتها في حملاتٍ عسكريّة ناجحة على سورية والنوبة وليبيا، أصبح "أمون" إلهًا قوميًّا لمصر، حيث تُعرَف به عالميًّا، طامسًا نور كل الآلهة الآخرين، حيث أثبت مكانته ومنزلته فوق آلهة البلاد الأجنبية، فشاعت عبادته في النوبة وليبيا، ونسب ملوك مصر كل انتصاراتهم وإنجازاتهم وأمجادهم إلى "أمون" وأغدقوا الثروة والعطايا والغنائم على معابده، وفي هذا الوقت حل "أمون" محل الإله المحارب "مونتو" كإله رئيس لمدينة طيبة، و أصبح ملكًا للآلهة.

ثم أصبح "أمون" إله النوبة في عصر الأسرة الخامسة والعشرين، حيث تواكب صعود "أمون" إلى مرتبة الإله القومي والعالمي مع ازدياد أهمية طيبة، وتسارع هذا الصعود مع تولي "أمن ⁬محت الأول - سِـحِـتِـپ ⁬اِب ⁬رَع" الحكم في طيبة، وتأسيسه الأسرة الثانية عشرة، و بلغ أوجّه في عصر الدولة الحديثة عندما كان يُحتَفى به في عيد "أُپـِت" اقترن اسم "أمن ⁬محت" مؤسس هذه الأسرة باسم الإله "أمون"،
وحمله من بعده ثلاثة من خلفائه.

وباعتبار "أمون" ملكًا للآلهة، ربط اليونانيون بين "أمون" و"زيوس"، كما ربطوا بين "موت" و"هيرا"، وكما ارتبط "خنوم" بـ"زيوس" أيضًا ربما بسبب شبهه بـ"أمون"، وبما أن نوع الكبش المميز له انقرض مبكرًا، أصبح "خنوم" أيضًا يرتبط بكبش "أمون"، كما قدَّس الإغريق "أمون"، وكما زاوج الفينيقيون بين بعل و"حمون - أمون الأمازيغي" في صورة الإله "بعل حمون".

حورس إله الشمس الساطعة

حورس؛ هو إله الشمس عند قدماء المصريين؛ وهو أحد أهم وأقدم المعبودات المصرية على الإطلاق، وارتبط منذ ظهوره بالملكية وشرعية الحكم، وذلك باعتباره الوريث الشرعي لأبيه "أوزير"، والأصل في تسميته باللغة المصرية القديمة "حـر"، أو "حور"، وباليونانية "حُورَس"، وقد ظهر اسمه على المصادر الأثرية منذ بداية الأسرات، ويُعد "حـور" هو أول المعبودات المصرية في هيئة الصقر، حيث صُوّر في هذه الهيئة على صلابة الملك "نعرمر" وهو يُقيّد الأسرى، وقد عُبد "حورس" في هذه الصورة في بعض الأماكن التي ترجع إلى بداية الأسرات، مثل "هيراكونبوليس - الكوم الأحمر"، بالإضافة إلى تقديس وعبادة الصقر "حـور" في عدد من الأماكن المحلية والإقليمية.

كما تُشير نصوص حجر "بالرمو" إلى ملوك عصور ما قبل الأُسرات في مصر بأنهم عرفوا باسم "شمسيو حور"؛ أي: "أتباع حور"، وقد ظهر المعبود "حـور" في العديد من الصور، ويُعبِّر اللاهوت الخاص به عن أنّه من أكثر الأرباب المصرية عمقًا واتساعًا في اللاهوت المصري القديم، وعُبِد "حـور" كربٍّ شمسيٍّ، وذلك نظرًا لطبيعته ودوره كربٍّ سماويٍّ وكونيّ في صورة الصقر.

ووردت الإشارة إلى الإله "حورس" في نصوص الأهرام "حور، رب المشرق"؛ وفي ذلك إشارة إلى علاقته بالشمس، وقد صُوِّر في ثلاث هيئات بهذا المظهر، كذلك عُرف "حور" كربٍّ للأفقين الشرقي والغربي، وذلك تحت اسم "حور آختـي"؛ أي: "حور المنتمى للأفقين"، وأُدخل "حور" في عقيدة الشمس في "هليوبوليس"، واتحد مع ربِّ الشمس فيها تحت مسمى "رع حور آختي"، وفى صورته "حور إم آختي" حور مخيس، أو حور في الأفق، صُوِّر "حور" كربِّ للشمس في هيئة الصقر أو الأسد، كما شُيِّد معبد ضخم للإله "حورس" في عهد "بطليموس الثالث" عام "237 ق.م"، واستغرق بنائه حوالي 200 سنة؛ حيث تم الانتهاء من إنشائه في عهد "بطليموس الثالث عشر"
في القرن الأول قبل الميلاد.

إيزيس

ولقد ذُكِر "حورس" في أحد الأساطير شهرةً في مصر القديمة، وكان يُعتبر رمز الخير والعدل، وقد كان "أوزيريس" إله البعث والحساب عند المصريين وقد قتله أخوه الشرير، ست، رمز الشرِّ وقد كانت أمه هي من جمعت أبوه بعد أن قطَّعه عمُّه، وقد كانت أمه "إيزيس - Isis"؛ هي ربة القمر لدي قدماء المصريين، وطبقًا للأسطورة الدينية أن عمّه "ست" الشرير قتل أبوه ووزَّع أجزائه في أنحاء القطر المصري، وقامت أمه "إيزيس"، بجمع أجزاء جسد أبيه، ويُعتبر ذلك أول عمليّة لتحنيط الموتى، وبعد أن وُلد حورس أراد أن ينتقم من عمِّه ويأخذ الثأر لأبيه؛ ولذلك يُسمّى حورس أحيانًا "حامي أبيه"، وفقد "حورس" في تلك المعركة عينه اليسرى، وتبوأ بعدها عرش مصر، وكان عمل "حورس" لجميع ملوك مصر المثال الأعلى؛ حيث انتقم لأبيه من قاتله وكان عادلًا في انتقامه وحكمه، وأصبح "حورس" ملك الحياة الدنيا، وكل ملك من ملوك مصر كان يحكم بحكمه ممثل "حورس"، ويستعين بالإله "حورس" في أعمالة وحروبه، ولذلك نجد كل ملوك مصر يتسمون في أحد أسمائهم باسم "حورس"؛ حيث كان لكل ملك عادةً له 5 ألقابٍ.

مراجع:

موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية،
دار الكتاب العربي بيروت، 1970م.

الدين.. بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، محمد عبد الله دراز،
دار القلم بيروت، 2001م.

تاريخ الفكر الديني الجاهلي، محمد إبراهيم الفيومي،
دار الفكر العربي، 1994م.

الأديان دراسة مقارنة، سعدون محمود، دار الحرية بغداد، 1976م.

المعتقدات القديمة لدى الشعوب، هيئة الفنون والآداب الكويتية، 1993م.

الديانة الفرعونية، واليس بَدج، ترجمة: نهاد خياطة، العربية للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط2.

الديانة المصرية القديمة، ياروسلاف تشرني،
دار الشروق للنشر، 1996م.