Dr.Eman Elabed
اهلا وسهلا زائرنا الكريم
كم يسعدنا ويشرفنا تواجدك معنا
أخ /ت عزيز /ه علينا نتعلم منكم
نستفيد ونفيد معا من خلال ابدعاتكم
نرتقي معا بكل معلومه صادقه ونافعه
في الدين والدنيا يسعدنا جدا مشاركتم معنا
تحت شعارنا الاحترام المتبادل وحق كل الاعضاء
في حريه التعبير دون المساس بمشاعر الاخرين
ومنتداكم لا يقبل بالخوض في السياسه او الاساءه
واحترام عقيده الاخر

Dr.Eman Elabed




انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

Dr.Eman Elabed
اهلا وسهلا زائرنا الكريم
كم يسعدنا ويشرفنا تواجدك معنا
أخ /ت عزيز /ه علينا نتعلم منكم
نستفيد ونفيد معا من خلال ابدعاتكم
نرتقي معا بكل معلومه صادقه ونافعه
في الدين والدنيا يسعدنا جدا مشاركتم معنا
تحت شعارنا الاحترام المتبادل وحق كل الاعضاء
في حريه التعبير دون المساس بمشاعر الاخرين
ومنتداكم لا يقبل بالخوض في السياسه او الاساءه
واحترام عقيده الاخر

Dr.Eman Elabed


Dr.Eman Elabed
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» سحر هاروت وماروت للطوخى-كامل
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالجمعة مايو 03, 2024 11:21 pm من طرف Fir_man

» الآثار المصرية فى العصر المتاخر الآثار الجنائزية حسن نصر الدين1
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالثلاثاء أبريل 30, 2024 7:27 pm من طرف روان جمال

»  الفنون الاسلامية د سعاد ماهر محمد
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالأربعاء أبريل 03, 2024 5:32 pm من طرف Mohamed

» سكان ليبيا القسم الخاص بطرابلس الغرب وفزان تأليف هنريكو دي أغسطيني
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالسبت مارس 30, 2024 5:00 am من طرف Albide

» تحميل العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية جزئين
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالسبت مارس 23, 2024 4:47 pm من طرف Abdul Wahab

» سالنامة ولاية طرابلس الغرب المجلة الرسمية لولاية طرابلس الغرب في العهد العثماني8 أجزاء
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالجمعة مارس 22, 2024 6:49 am من طرف اشرف

» القاشاني صناعه الخزف احمد المفتي
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالإثنين مارس 18, 2024 8:23 pm من طرف Mahmoudomran

» القاهرة التاريخية مشروع ترميم قصر محمد علي بشبرا
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالسبت مارس 16, 2024 4:57 am من طرف مصطفى الصادق

» اهم كتب التاريخ العباسي
أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Emptyالسبت مارس 16, 2024 4:56 am من طرف مصطفى الصادق

مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  

اليومية اليومية


أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى الجزء الثالث

اذهب الى الأسفل

أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Empty أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى الجزء الثالث

مُساهمة من طرف Dr. Radia Mohammed الأربعاء مايو 11, 2022 11:02 am


 أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى

 الجزء  الثالث

 الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْبِدَعِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِ الأصْلِ : الأصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ , وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ , وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ( الأوَّلُ ) : وَاجِبٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا 
 
 وَإِهْمَالُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا ( الثَّانِي ) : مُحَرَّمٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ , وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوَارُثِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ   وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ ( الثَّالِثُ ) مَنْدُوبٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَيْ الَّذِي عَمِلَ بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه فَجَمَعَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ , وَقَالَ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ , وَهُمْ يُصَلُّونَ : نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ , فَإِنَّهُ إنَّمَا سَمَّاهَا بِدْعَةً بِاعْتِبَارٍ مَا وَإِلَّا فَقِيَامُ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ سُنَّةٌ عَمِلَ بِهَا صَاحِبُ السُّنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الِافْتِرَاضِ فَلَمَّا انْقَضَى زَمَنُ الْوَحْيِ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْعَمَلُ بِهَا إلَى نِصَابِهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه زَمَانَ خِلَافَتِهِ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ , وَكَذَلِكَ صَدْرُ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه حَتَّى تَأَنَّى النَّظَرَ فَوَقَعَ مِنْهُ لَكِنَّهُ صَارَ فِي ظَاهِرِ الأمْرِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَمَلُ مَنْ تَقَدَّمَهُ دَائِمًا فَسَمَّاهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ مِنْ السُّنَّةِ كَمَا فِي الِاعْتِصَامِ لِأَبِي
 
 إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ قُلْت : وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا عَمِلَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فِي الْمَسْجِدِ عَمَلُ الأعْصَارِ إلَى عَصْرِنَا فِي جَمِيعِ الأمْصَارِ مَا عَدَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَإِنَّهُمَا قَدْ اُبْتُدِعَ فِيهِمَا شَرَّفَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - تَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُوَفِّقَ أَهْلَهَا لِلْعَمَلِ فِيهَا بِالسُّنَّةِ كَسَائِرِ الأمْصَارِ قَالَ الأصْلُ : وَكَإِقَامَةِ صُورِ الأئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْوُلَاةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَكَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مُعْظَمُ تَعْظِيمِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ وَسَابِقِ الْهِجْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَّ النِّظَامُ وَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَرْنُ وَحَدَثَ قَرْنٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُونَ إلَّا بِالصُّوَرِ فَتَعَيَّنَ تَفْخِيمُ الصُّوَرِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصَالِحُ , وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحِ وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ كُلَّ يَوْمٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ , وَلَمْ يَحْتَرِمُوهُ وَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِحِفْظِ النِّظَامِ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَوَجَدَ مُعَاوِيَةُ قَدْ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ , وَسَلَكَ مَا يَسْلُكُهُ الْمُلُوكُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ


 
 فَقَالَ : إنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا فَقَالَ لَهُ لَا آمُرُك , وَلَا أَنْهَاك وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِك هَلْ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا فَيَكُونُ حَسَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الأئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الأعْصَارِ وَالأمْصَارِ وَالْقُرُونِ وَالأحْوَالِ ; فَلِذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا , وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الأحْوَالِ ( الرَّابِعُ ) مَكْرُوهٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْكَرَاهَةِ  وَأَدِلَّتُهَا مِنْ الشَّرْعِ كَتَخْصِيصِ الأيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَغَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ { لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ بِقِيَامٍ } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَكَالزِّيَادَةِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَاتِ بِأَنْ يُجْعَلَ التَّسْبِيحُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ مِائَةً , وَالْوَارِدُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالصَّاعُ الْوَاحِدُ الْوَارِدُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَشَرَةُ آصُعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ , وَهُوَ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ ; لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وَقَفَ عِنْدَهُ , وَعُدَّ الْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةَ أَدَبٍ , وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَرَامٌ لَا مَكْرُوهٌ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الأصْلُ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ , وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا ; وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ إيصَالِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ
 أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ { أَنَّ رَجُلا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ عليه السلام أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ } يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا فَهَلَكُوا بِتَغْيِيرِهِمْ لِلشَّرَائِعِ ( الْخَامِسُ ) : مُبَاحٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْمُبَاحِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثُهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْآثَارِ وَتَلْيِينُ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلِهِ كَذَلِكَ   وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبِدْعَةُ إنَّمَا تَنْقَسِمُ لِهَذِهِ الأقْسَامِ إذَا نُظِرَ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَقَاضَاهَا وَيَتَنَاوَلُهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالأدِلَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا تَنَاوَلَهَا مِنْ قَوَاعِدِ وَأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْإِبَاحَةِ , وَأَمَّا إنْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ ذَلِكَ وَنُظِرَ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَمْ تَكُنْ إلَّا مَكْرُوهَةً أَيْ إمَّا تَنْزِيهًا , وَإِمَّا تَحْرِيمًا فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ , وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَيُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الأبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الأنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ , وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا

  وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ . ا هـ . كَلَامُ الأصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَزِيَادَةٍ فَقَوْلُهُ : وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ إلَخْ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ , وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ , وَإِلَيْهَا ذَهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ : وَتَنْقَسِمُ الْبِدْعَةُ إلَى الأحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَحَدِيثُ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ عَامٌّ مَخْصُوصٌ قَالَ : وَالْبِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ وَتُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُقَابِلِ السُّنَّةِ   وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم ا هـ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخُ الأصْلِ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ : الْبِدْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الشَّرْعِ هِيَ إحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ , وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ الْبِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى وَاجِبَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمُبَاحَةٍ قَالَ : وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُعْرَضَ الْبِدْعَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ , فَإِنْ دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ , أَوْ فِي قَوَاعِدِ التَّحْرِيمِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ , أَوْ النَّدْبِ فَمَنْدُوبَةٌ   أَوْ الْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهَةٌ   أَوْ الْمُبَاحِ فَمُبَاحَةٌ وَلِلْوَاجِبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا
 
 الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ النَّحْوِ الَّذِي يُفْهِمُ كَلَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَلَامَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهَا حِفْظُ غَرِيبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ اللُّغَةِ , وَمِنْهَا تَدْرِيسُ أُصُولِ الْفِقْهِ , وَمِنْهَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ السَّقِيمِ , وَمِنْهَا الرَّدُّ عَلَى مَذَاهِبِ نَحْوِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ ; إذْ لَا يَتَأَتَّى حِفْظُ الشَّرِيعَةِ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ , وَقَدْ دَلَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ , وَلِلْمُحَرَّمَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا مَذَاهِبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ , وَلِلْمَنْدُوبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا التَّرَاوِيحُ , وَالْكَلَامُ فِي دَقَائِقِ التَّصَوُّفِ , وَفِي الْجَدَلِ . وَمِنْهَا جَمْعُ الْمَحَافِلِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَسَائِلِ إنْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ وَجْهُ اللَّهِ , وَالْمَكْرُوهَةُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقُ الْمَصَاحِفِ , وَلِلْمُبَاحَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الْمُصَافَحَةُ عَقِبَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسَةِ وَتَوْسِيعِ الأكْمَامِ , وَقَدْ نَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ وَيَجْعَلُهُ آخَرُونَ مِنْ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ كَالِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ . ا هـ
 
بِتَصَرُّفٍ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُمَا فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِتَرْكِهِمَا , وَلَمْ يَقْصِدْ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ , وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ سُنِّيَّتُهُمَا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا , وَمِثْلُهُمَا فِي كَوْنِهِ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً , أَوْ سُنَّةً سُجُودُ الشُّكْرِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مَفْعُولَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَتِهِ , وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ : وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الأمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شُكْرًا فَقَالَ : لَا يَفْعَلُ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ , قِيلَ لَهُ : إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ أَفَسَمِعْت ذَلِكَ قَالَ مَا سَمِعْت ذَلِكَ , وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ , وَهَذَا مِنْ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ : هَذَا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ أَفَسَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا إذْ مَا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ سُمِعَ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ فَعَلَيْك بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ فَهَلْ سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ فَهَذَا إجْمَاعٌ . وَإِذَا جَاءَك أَمْرٌ لَا تَعْرِفْهُ فَدَعْهُ . ا هـ 
 
 قَالَ ابْنُ رُشْدٍ : الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِمَّا شُرِعَ فِي الدِّينِ يَعْنِي سُجُودَ الشُّكْرِ فَرْضًا , وَلَا نَفْلا إذْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم , وَلَا فَعَلَهُ , وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اخْتِيَارِ فِعْلِهِ , وَالشَّرَائِعُ لَا تَثْبُتُ إلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ قَالَ : وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ , وَلَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا ; إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى تَرْكِ نَقْلِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ , وَقَدْ أُمِرُوا بِالتَّبْلِيغِ قَالَ : وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ , وَعَلَيْهِ يَأْتِي إسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنْ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ مَعَ وُجُودِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ , وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ } ; لِأَنَّا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْلِ أَخْذِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ مِنْهَا كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَكَذَلِكَ نَزَلَ تَرْكُ نَقْلِ السُّجُودِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الشُّكْرِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا سُجُودَ فِيهَا ثُمَّ حُكِيَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ , وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ , وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ تَوْجِيهُ مَالِكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِدْعَةٌ لَا تَوْجِيهُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَفَادَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ وَحَاصِلُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ 

 أَنَّ الْبِدْعَةَ بِمَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم نَوْعَانِ حَقِيقِيَّةٌ وَمُشْتَبِهَاتٌ فَالْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْمُقَابِلَةُ لِلسُّنَّةِ فَالسُّنَّةُ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , وَالْبِدْعَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَا أُحْدِثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , قَالَ : زَادَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَغَلَبَتْ عَلَى مَا خَالَفَ أُصُولَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْعَقَائِدِ 
 
 وَهِيَ الْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ سَوَاءٌ كَفَرَ بِهَا كَإِنْكَارِ عِلْمِهِ - تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ أَوْ لَا كَالْمُجَسِّمَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ إنْ لَمْ تَقُلْ الْأُولَى كَالأجْسَامِ , وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَتَى أُطْلِقَتْ , وَإِنْ كَانَتْ فِي الأصْلِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَغَيْرِهَا , فَهِيَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ لِإِيرَادِهِ فِي حَيِّزِ التَّحْذِيرِ مِنْهَا وَالذَّمِّ لَهَا وَالتَّوْبِيخِ عَلَيْهَا , فَنَفْيُ قَبُولِ الْعَمَلِ بِمَعْنَى إبْطَالِهِ وَرَدِّهِ إنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ مُكَفِّرَةً لَهُ , وَبِمَعْنَى نَفْيِ الثَّوَابِ إنْ كَانَتْ لَا تُكَفِّرُهُ مِثْلَ مَا وَرَدَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مِنْهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ , وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُ أَيْ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا , وَالْمُشْتَبِهَاتُ تُعْرَضُ عَلَى أُصُولِ الشَّرْعِ فَإِنْ وَافَقَتْ الْوَاجِبَ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ الْمَنْدُوبَ كَانَتْ مَنْدُوبَةً أَوْ الْمَكْرُوهَ كَانَتْ مَكْرُوهَةً أَوْ الْمُبَاحَ كَانَتْ مُبَاحَةً , وَبِالْجُمْلَةِ فَتَقْسِيمُ الْبِدْعَةِ مَعَ السُّنَّةِ عَلَى نَحْوِ تَقْسِيمِ النَّحْوِيِّينَ حَرْفَ الْجَرِّ الأصْلِيِّ مَعَ الزَّائِدِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَصْلِيٌّ , وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ وَاحْتَاجَ لِمُتَعَلَّقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَزَائِدٌ , وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ , وَلَا يَحْتَاجُ لِمُتَعَلَّقٍ وَشَبِيهٌ بِهِمَا , وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ , وَلَمْ يَحْتَجْ لِمُتَعَلَّقٍ



 
 فَكَمَا انْقَسَمَ حَرْفُ الْجَرِّ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ الْبِدْعَةُ مَعَ السُّنَّةِ تَنْقَسِمُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى ثَلَاثَةٍ : سُنَّةٌ , وَهِيَ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , وَبِدْعَةٌ , وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ الأصْلُ 

 وَمُشْتَبِهَاتٌ , وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ وَشَهِدَ لَهُ الأصْلُ وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ مَا يَحْرُمُ وَيُنْهَى عَنْهُ مِنْ الْبِدَعِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْقَبِيحَةِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ الصَّادِقَةِ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَعَلَى الْمَكْرُوهَةِ وَأَنَّ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ الصَّادِقَةِ عَلَى الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ وَقَوْلُ الأصْلِ : وَالأصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ إلَخْ هُوَ طَرِيقَةُ نَفْيِ التَّفْصِيلِ فِي الْبِدَعِ , وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ وَاجِبَةً , وَلَا مَنْدُوبَةً , وَلَا مُبَاحَةً بَلْ إنَّمَا تَكُونُ قَبِيحَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتَيْنِ ( الْجِهَةُ الْأُولَى ) أَنَّ أَمْثِلَةَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ , وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ , وَعَنْ كَوْنِهَا مِنْ الْعَادِيَّاتِ , وَمَا كَانَ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ , وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبِدَعِ ; لِأَنَّ خَاصَّةَ الْبِدْعَةِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَمَّا رَسَمَهُ الشَّارِعُ ; إذْ هِيَ طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ اُبْتُدِعَتْ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ تَقَدَّمَهَا تُضَاهِي الشَّرِيعَةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ فَانْفَصَلَتْ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ كُلِّ مَا ظَهَرَ لِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُخْتَرِعٌ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ كَعِلْمِ

مُخْتَرِعٌ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ كَعِلْمِ
 
 النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَمُفْرَدَاتِ اللُّغَةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ فَإِنَّهَا . وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي الزَّمَانِ الأوَّلِ فَأُصُولُهَا مَوْجُودَةٌ فِي الشَّرْعِ ; إذْ الأمْرُ بِإِعْرَابِ الْقُرْآنِ مَنْقُولٌ , وَعُلُومُ اللِّسَانِ هَادِيَةٌ لِلصَّوَابِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَحَقِيقَتُهَا إذًا أَنَّهَا فِقْهُ التَّعَبُّدِ بِالألْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا كَيْفَ تُؤْخَذُ وَتُؤَدَّى , وَأُصُولُ الْفِقْهِ إنَّمَا مَعْنَاهَا اسْتِقْرَاءُ كُلِّيَّاتِ الأدِلَّةِ حَتَّى تَكُونَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ نَصْبَ عَيْنٍ , وَعِنْدَ الطَّالِبِ سَهْلَةَ الْمُلْتَمَسِ , وَكَذَلِكَ أُصُولُ الدِّينِ , وَهُوَ عِلْمُ الْكَلَامِ إنَّمَا حَاصِلُهُ تَقْرِيرٌ لِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا فِي التَّوْحِيدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا كَانَ الْفِقْهُ تَقْرِيرَ الأدِلَّةِ فِي الْفُرُوعِ الْعَبَّادِيَّةِ , وَتَصْنِيفُهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ , وَإِنْ كَانَ مُخْتَرَعًا إلَّا أَنَّ لَهُ أَصْلا فِي الشَّرْعِ فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ فَالشَّرْعُ بِجُمْلَتِهِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ ,
وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ

 
 وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِهَا أَصْلا شَرْعِيًّا لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ خَادِمٌ لِلشَّرِيعَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ أَدِلَّتِهَا الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْخُوذَةٍ مِنْ جُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ أَلْبَتَّةَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعُلُومُ مُبْتَدَعَاتٍ , وَإِذَا دَخَلَتْ فِي عِلْمِ الْبِدَعِ كَانَتْ قَبِيحَةً ; لِأَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى , وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَتْبُ الْمُصْحَفِ , وَجَمْعُ الْقُرْآنِ قَبِيحًا , وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ , فَلَيْسَ إذًا بِبِدْعَةٍ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ إلَّا هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ , وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ , وَإِذَا ثَبَتَ جُزْءٌ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ثَبَتَ مُطْلَقُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى عِلْمُ النَّحْوِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ عُلُومِ اللِّسَانِ , أَوْ عِلْمُ الْأُصُولِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ بِدْعَةً أَصْلا وَمَنْ سَمَّاهُ بِدْعَةً فَإِمَّا عَلَى الْمَجَازِ كَمَا سَمَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قِيَامَ النَّاسِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِدْعَةً , وَإِمَّا جَهْلا بِمَوَاقِعِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَدًّا بِهِ , وَلَا مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعَادِيَّاتِ كَإِقَامَةِ صُوَرِ الأئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْقُضَاةِ وَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ بِالْأُشْنَانِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسِ وَتَوْسِيعِ
 
 الأكْمَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْفَاضِلِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ فَالتَّمْثِيلُ بِهَا لِمَنْدُوبَاتِ الْبِدَعِ وَمُبَاحَاتِهَا , وَكَذَا بِالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ . وَتَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْوِلَايَاتِ الْعِلْمِيَّةِ , وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ لِمُحَرَّمَاتِ الْبِدَعِ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْعَادِيَّاتِ , وَهِيَ الَّتِي مَال إلَيْهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَهَبَ إلَيْهَا بَعْضُ السَّلَفِ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَرَعَاتِ مِنْهَا تَلْحَقُ بِالْبِدَعِ , وَتَصِيرُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَرَعَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْأُمَّةِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ ( الْوَجْهُ الأوَّلُ ) : أَنَّهَا أُمُورٌ جَرَتْ فِي النَّاسِ وَكَثُرَ الْعَمَلُ بِهَا وَشَاعَتْ وَذَاعَتْ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِبَادَاتِ ; إذْ الْأُمُورُ الْمَشْرُوعَةُ تَارَةً تَكُونُ عِبَادِيَّةً , وَتَارَةً تَكُونُ عَادِيَّةً فَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَكَمَا تَقَعُ الْمُخَالَفَةُ بِالِابْتِدَاعِ فِي أَحَدِهِمَا تَقَعُ فِي الْآخَرِ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) : أَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْوَعْدِ بِأَشْيَاءَ تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ سُنَّتِهِ فَتَدْخُلُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ ; لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
{ إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالَ فَمَا تَأْمُرُنَا يَا

 
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا حَقَّكُمْ }
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ { مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً }
 وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا
{ إذَا أُسْنِدَ الأمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
{ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيُلْقَى وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ }
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
{ إنَّ بَيْنَ يَدَيَّ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ } وَالْهَرَجُ الْقَتْلُ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ :
{ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ رَأَيْت أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا أَنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ , وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا ثُمَّ قَالَ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِك فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا , وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ , وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ .


 وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ , فَيُقَالُ : إنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلا أَمِينًا , وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ , وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ }
الْحَدِيثَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ , وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولٌ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ثُمَّ قَالَ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ }
 إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { تَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأسْنَانِ سُفَهَاءُ الأحْلَامِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ }
 وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
{ بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا فَيَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ الدُّنْيَا }
وَفَسَّرَ ذَلِكَ الْحَسَنُ قَالَ يُصْبِحُ مُحَرِّمًا لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ وَيُمْسِي مُسْتَحِلا لَهُ كَأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ
{ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ }
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ 



 
 وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَفْشُوَ الزِّنَا وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ } .
 وَمِنْ غَرِيبِ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي
 الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
 
{ إذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً
حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ قِيلَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
 قَالَ إذَا صَارَ الْمَغْنَمُ دُوَلا , وَالأمَانَةُ مَغْنَمًا
 وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا , وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَهُ
 وَعَقَّ أُمَّهُ , وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ
وَارْتَفَعَتْ الأصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ ,
وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ
 شَرِّهِ , وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاُتُّخِذَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ , وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا أَوْ مَسْخًا وَقَذْفًا
} .
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَرِيبُ هَذَا وَفِيهِ
{ سَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ , وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَفِيهِ وَظَهَرَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ , وَفِي آخِرِهِ فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ


 فَهَذِهِ الأحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبْدِيلُ الأعْمَالِ الَّتِي كَانُوا أَحَقَّ بِالْعَمَلِ بِهَا فَلَمَّا عَوَّضُوا مِنْهَا غَيْرَهَا وَفَشَا فِيهَا كَأَنَّهُ مِنْ الْمَعْمُولِ بِهِ تَشْرِيعًا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ الطَّارِئَةِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَ فِي الْعِبَادَاتِ
المصدر نفسه.
مصطلح اختلاف الدار واختلاف الدين: 


عدل سابقا من قبل Dr. Radia Mohammed في الأربعاء مايو 11, 2022 11:30 am عدل 1 مرات
Dr. Radia Mohammed
Dr. Radia Mohammed
الاداره موسس المنتدي
الاداره موسس المنتدي

التعارف : صديقه
الجنسيه : مصر
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 868
تاريخ التسجيل : 23/09/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Empty رد: أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى الجزء الثالث

مُساهمة من طرف Dr. Radia Mohammed الأربعاء مايو 11, 2022 11:03 am

 
[size=37]أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى[/size]
[ltr]


[/ltr]
[size=37]الجزء الثالث[/size]
[ltr]



 
[/ltr]
الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْبِدَعِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِ الأصْلِ : الأصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ , وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ , وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ( الأوَّلُ ) : وَاجِبٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا .
[ltr]



 
[/ltr]
وَإِهْمَالُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا ( الثَّانِي ) : مُحَرَّمٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ , وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوَارُثِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ , وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ ( الثَّالِثُ ) مَنْدُوبٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَيْ الَّذِي عَمِلَ بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه فَجَمَعَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ , وَقَالَ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ , وَهُمْ يُصَلُّونَ : نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ , فَإِنَّهُ إنَّمَا سَمَّاهَا بِدْعَةً بِاعْتِبَارٍ مَا وَإِلَّا فَقِيَامُ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ سُنَّةٌ عَمِلَ بِهَا صَاحِبُ السُّنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الِافْتِرَاضِ فَلَمَّا انْقَضَى زَمَنُ الْوَحْيِ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْعَمَلُ بِهَا إلَى نِصَابِهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه زَمَانَ خِلَافَتِهِ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ , وَكَذَلِكَ صَدْرُ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه حَتَّى تَأَنَّى النَّظَرَ فَوَقَعَ مِنْهُ لَكِنَّهُ صَارَ فِي ظَاهِرِ الأمْرِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَمَلُ مَنْ تَقَدَّمَهُ دَائِمًا فَسَمَّاهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ مِنْ السُّنَّةِ كَمَا فِي الِاعْتِصَامِ لِأَبِي
[ltr]



 
[/ltr]
إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ قُلْت : وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا عَمِلَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فِي الْمَسْجِدِ عَمَلُ الأعْصَارِ إلَى عَصْرِنَا فِي جَمِيعِ الأمْصَارِ مَا عَدَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَإِنَّهُمَا قَدْ اُبْتُدِعَ فِيهِمَا شَرَّفَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - تَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُوَفِّقَ أَهْلَهَا لِلْعَمَلِ فِيهَا بِالسُّنَّةِ كَسَائِرِ الأمْصَارِ قَالَ الأصْلُ : وَكَإِقَامَةِ صُورِ الأئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْوُلَاةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَكَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مُعْظَمُ تَعْظِيمِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ وَسَابِقِ الْهِجْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَّ النِّظَامُ وَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَرْنُ وَحَدَثَ قَرْنٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُونَ إلَّا بِالصُّوَرِ فَتَعَيَّنَ تَفْخِيمُ الصُّوَرِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصَالِحُ , وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحِ وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ كُلَّ يَوْمٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ , وَلَمْ يَحْتَرِمُوهُ وَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِحِفْظِ النِّظَامِ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَوَجَدَ مُعَاوِيَةُ قَدْ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ , وَسَلَكَ مَا يَسْلُكُهُ الْمُلُوكُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ
[ltr]



 
[/ltr]
فَقَالَ : إنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا فَقَالَ لَهُ لَا آمُرُك , وَلَا أَنْهَاك وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِك هَلْ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا فَيَكُونُ حَسَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الأئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الأعْصَارِ وَالأمْصَارِ وَالْقُرُونِ وَالأحْوَالِ ; فَلِذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا , وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الأحْوَالِ ( الرَّابِعُ ) مَكْرُوهٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْكَرَاهَةِ , وَأَدِلَّتُهَا مِنْ الشَّرْعِ كَتَخْصِيصِ الأيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَغَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ { لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ بِقِيَامٍ } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَكَالزِّيَادَةِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَاتِ بِأَنْ يُجْعَلَ التَّسْبِيحُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ مِائَةً , وَالْوَارِدُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالصَّاعُ الْوَاحِدُ الْوَارِدُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَشَرَةُ آصُعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ , وَهُوَ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ ; لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وَقَفَ عِنْدَهُ , وَعُدَّ الْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةَ أَدَبٍ , وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَرَامٌ لَا مَكْرُوهٌ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الأصْلُ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ , وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا ; وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ إيصَالِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ
[ltr]



 
[/ltr]
أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ { أَنَّ رَجُلا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ عليه السلام أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ } يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا فَهَلَكُوا بِتَغْيِيرِهِمْ لِلشَّرَائِعِ ( الْخَامِسُ ) : مُبَاحٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْمُبَاحِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثُهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْآثَارِ وَتَلْيِينُ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلِهِ كَذَلِكَ , وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبِدْعَةُ إنَّمَا تَنْقَسِمُ لِهَذِهِ الأقْسَامِ إذَا نُظِرَ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَقَاضَاهَا وَيَتَنَاوَلُهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالأدِلَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا تَنَاوَلَهَا مِنْ قَوَاعِدِ وَأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْإِبَاحَةِ , وَأَمَّا إنْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ ذَلِكَ وَنُظِرَ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَمْ تَكُنْ إلَّا مَكْرُوهَةً أَيْ إمَّا تَنْزِيهًا , وَإِمَّا تَحْرِيمًا فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ , وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَيُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الأبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الأنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ , وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا
 
وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ . ا هـ . كَلَامُ الأصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَزِيَادَةٍ فَقَوْلُهُ : وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ إلَخْ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ , وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ , وَإِلَيْهَا ذَهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ : وَتَنْقَسِمُ الْبِدْعَةُ إلَى الأحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَحَدِيثُ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ عَامٌّ مَخْصُوصٌ قَالَ : وَالْبِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ وَتُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُقَابِلِ السُّنَّةِ , وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم ا هـ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخُ الأصْلِ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ : الْبِدْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الشَّرْعِ هِيَ إحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ , وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ الْبِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى وَاجِبَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمُبَاحَةٍ قَالَ : وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُعْرَضَ الْبِدْعَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ , فَإِنْ دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ , أَوْ فِي قَوَاعِدِ التَّحْرِيمِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ , أَوْ النَّدْبِ فَمَنْدُوبَةٌ , أَوْ الْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهَةٌ , أَوْ الْمُبَاحِ فَمُبَاحَةٌ وَلِلْوَاجِبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا
 
الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ النَّحْوِ الَّذِي يُفْهِمُ كَلَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَلَامَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهَا حِفْظُ غَرِيبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ اللُّغَةِ  وَمِنْهَا تَدْرِيسُ أُصُولِ الْفِقْهِ , وَمِنْهَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ السَّقِيمِ , وَمِنْهَا الرَّدُّ عَلَى مَذَاهِبِ نَحْوِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ ; إذْ لَا يَتَأَتَّى حِفْظُ الشَّرِيعَةِ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ , وَقَدْ دَلَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ , وَلِلْمُحَرَّمَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا مَذَاهِبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ , وَلِلْمَنْدُوبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا التَّرَاوِيحُ , وَالْكَلَامُ فِي دَقَائِقِ التَّصَوُّفِ , وَفِي الْجَدَلِ . وَمِنْهَا جَمْعُ الْمَحَافِلِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَسَائِلِ إنْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ وَجْهُ اللَّهِ , وَالْمَكْرُوهَةُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقُ الْمَصَاحِفِ , وَلِلْمُبَاحَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الْمُصَافَحَةُ عَقِبَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسَةِ وَتَوْسِيعِ الأكْمَامِ , وَقَدْ نَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ وَيَجْعَلُهُ آخَرُونَ مِنْ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ كَالِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ . ا هـ .
 
بِتَصَرُّفٍ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُمَا فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِتَرْكِهِمَا , وَلَمْ يَقْصِدْ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ , وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ سُنِّيَّتُهُمَا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا , وَمِثْلُهُمَا فِي كَوْنِهِ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً , أَوْ سُنَّةً سُجُودُ الشُّكْرِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مَفْعُولَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَتِهِ , وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ : وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الأمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شُكْرًا فَقَالَ : لَا يَفْعَلُ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ , قِيلَ لَهُ : إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ أَفَسَمِعْت ذَلِكَ قَالَ مَا سَمِعْت ذَلِكَ , وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ , وَهَذَا مِنْ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ : هَذَا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ أَفَسَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا إذْ مَا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ سُمِعَ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ فَعَلَيْك بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ فَهَلْ سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ فَهَذَا إجْمَاعٌ . وَإِذَا جَاءَك أَمْرٌ لَا تَعْرِفْهُ فَدَعْهُ
 
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ : الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِمَّا شُرِعَ فِي الدِّينِ يَعْنِي سُجُودَ الشُّكْرِ فَرْضًا , وَلَا نَفْلا إذْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم , وَلَا فَعَلَهُ , وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اخْتِيَارِ فِعْلِهِ , وَالشَّرَائِعُ لَا تَثْبُتُ إلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ قَالَ : وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ , وَلَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا ; إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى تَرْكِ نَقْلِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ , وَقَدْ أُمِرُوا بِالتَّبْلِيغِ قَالَ : وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ , وَعَلَيْهِ يَأْتِي إسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنْ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ مَعَ وُجُودِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ , وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ } ; لِأَنَّا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْلِ أَخْذِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ مِنْهَا كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَكَذَلِكَ نَزَلَ تَرْكُ نَقْلِ السُّجُودِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الشُّكْرِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا سُجُودَ فِيهَا ثُمَّ حُكِيَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ , وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ , وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ تَوْجِيهُ مَالِكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِدْعَةٌ لَا تَوْجِيهُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَفَادَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ وَحَاصِلُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ
 
أَنَّ الْبِدْعَةَ بِمَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم نَوْعَانِ حَقِيقِيَّةٌ وَمُشْتَبِهَاتٌ فَالْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْمُقَابِلَةُ لِلسُّنَّةِ فَالسُّنَّةُ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , وَالْبِدْعَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَا أُحْدِثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , قَالَ : زَادَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَغَلَبَتْ عَلَى مَا خَالَفَ أُصُولَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْعَقَائِدِ .
 
وَهِيَ الْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ سَوَاءٌ كَفَرَ بِهَا كَإِنْكَارِ عِلْمِهِ - تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ أَوْ لَا كَالْمُجَسِّمَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ إنْ لَمْ تَقُلْ الْأُولَى كَالأجْسَامِ , وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَتَى أُطْلِقَتْ , وَإِنْ كَانَتْ فِي الأصْلِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَغَيْرِهَا , فَهِيَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ لِإِيرَادِهِ فِي حَيِّزِ التَّحْذِيرِ مِنْهَا وَالذَّمِّ لَهَا وَالتَّوْبِيخِ عَلَيْهَا , فَنَفْيُ قَبُولِ الْعَمَلِ بِمَعْنَى إبْطَالِهِ وَرَدِّهِ إنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ مُكَفِّرَةً لَهُ , وَبِمَعْنَى نَفْيِ الثَّوَابِ إنْ كَانَتْ لَا تُكَفِّرُهُ مِثْلَ مَا وَرَدَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مِنْهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ , وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُ أَيْ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا , وَالْمُشْتَبِهَاتُ تُعْرَضُ عَلَى أُصُولِ الشَّرْعِ فَإِنْ وَافَقَتْ الْوَاجِبَ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ الْمَنْدُوبَ كَانَتْ مَنْدُوبَةً أَوْ الْمَكْرُوهَ كَانَتْ مَكْرُوهَةً أَوْ الْمُبَاحَ كَانَتْ مُبَاحَةً , وَبِالْجُمْلَةِ فَتَقْسِيمُ الْبِدْعَةِ مَعَ السُّنَّةِ عَلَى نَحْوِ تَقْسِيمِ النَّحْوِيِّينَ حَرْفَ الْجَرِّ الأصْلِيِّ مَعَ الزَّائِدِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَصْلِيٌّ , وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ وَاحْتَاجَ لِمُتَعَلَّقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَزَائِدٌ , وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ , وَلَا يَحْتَاجُ لِمُتَعَلَّقٍ وَشَبِيهٌ بِهِمَا , وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ , وَلَمْ يَحْتَجْ لِمُتَعَلَّقٍ
 
فَكَمَا انْقَسَمَ حَرْفُ الْجَرِّ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ الْبِدْعَةُ مَعَ السُّنَّةِ تَنْقَسِمُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى ثَلَاثَةٍ : سُنَّةٌ , وَهِيَ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , وَبِدْعَةٌ , وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ , وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ الأصْلُ .
 
وَمُشْتَبِهَاتٌ , وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الأوَّلِ وَشَهِدَ لَهُ الأصْلُ وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ مَا يَحْرُمُ وَيُنْهَى عَنْهُ مِنْ الْبِدَعِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْقَبِيحَةِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ الصَّادِقَةِ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَعَلَى الْمَكْرُوهَةِ وَأَنَّ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ الصَّادِقَةِ عَلَى الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ وَقَوْلُ الأصْلِ : وَالأصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ إلَخْ هُوَ طَرِيقَةُ نَفْيِ التَّفْصِيلِ فِي الْبِدَعِ , وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ وَاجِبَةً , وَلَا مَنْدُوبَةً , وَلَا مُبَاحَةً بَلْ إنَّمَا تَكُونُ قَبِيحَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتَيْنِ ( الْجِهَةُ الْأُولَى ) أَنَّ أَمْثِلَةَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ , وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ , وَعَنْ كَوْنِهَا مِنْ الْعَادِيَّاتِ , وَمَا كَانَ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ , وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبِدَعِ ; لِأَنَّ خَاصَّةَ الْبِدْعَةِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَمَّا رَسَمَهُ الشَّارِعُ ; إذْ هِيَ طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ اُبْتُدِعَتْ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ تَقَدَّمَهَا تُضَاهِي الشَّرِيعَةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ فَانْفَصَلَتْ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ كُلِّ مَا ظَهَرَ لِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُخْتَرِعٌ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ كَعِلْمِ
 
النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَمُفْرَدَاتِ اللُّغَةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ فَإِنَّهَا . وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي الزَّمَانِ الأوَّلِ فَأُصُولُهَا مَوْجُودَةٌ فِي الشَّرْعِ ; إذْ الأمْرُ بِإِعْرَابِ الْقُرْآنِ مَنْقُولٌ , وَعُلُومُ اللِّسَانِ هَادِيَةٌ لِلصَّوَابِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَحَقِيقَتُهَا إذًا أَنَّهَا فِقْهُ التَّعَبُّدِ بِالألْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا كَيْفَ تُؤْخَذُ وَتُؤَدَّى , وَأُصُولُ الْفِقْهِ إنَّمَا مَعْنَاهَا اسْتِقْرَاءُ كُلِّيَّاتِ الأدِلَّةِ حَتَّى تَكُونَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ نَصْبَ عَيْنٍ , وَعِنْدَ الطَّالِبِ سَهْلَةَ الْمُلْتَمَسِ , وَكَذَلِكَ أُصُولُ الدِّينِ , وَهُوَ عِلْمُ الْكَلَامِ إنَّمَا حَاصِلُهُ تَقْرِيرٌ لِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا فِي التَّوْحِيدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا كَانَ الْفِقْهُ تَقْرِيرَ الأدِلَّةِ فِي الْفُرُوعِ الْعَبَّادِيَّةِ , وَتَصْنِيفُهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ , وَإِنْ كَانَ مُخْتَرَعًا إلَّا أَنَّ لَهُ أَصْلا فِي الشَّرْعِ فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ فَالشَّرْعُ بِجُمْلَتِهِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ , وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ .
 
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِهَا أَصْلا شَرْعِيًّا لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ خَادِمٌ لِلشَّرِيعَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ أَدِلَّتِهَا الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْخُوذَةٍ مِنْ جُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ أَلْبَتَّةَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعُلُومُ مُبْتَدَعَاتٍ , وَإِذَا دَخَلَتْ فِي عِلْمِ الْبِدَعِ كَانَتْ قَبِيحَةً ; لِأَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى , وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَتْبُ الْمُصْحَفِ , وَجَمْعُ الْقُرْآنِ قَبِيحًا , وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ , فَلَيْسَ إذًا بِبِدْعَةٍ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ إلَّا هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ , وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ , وَإِذَا ثَبَتَ جُزْءٌ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ثَبَتَ مُطْلَقُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى عِلْمُ النَّحْوِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ عُلُومِ اللِّسَانِ , أَوْ عِلْمُ الْأُصُولِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ بِدْعَةً أَصْلا وَمَنْ سَمَّاهُ بِدْعَةً فَإِمَّا عَلَى الْمَجَازِ كَمَا سَمَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قِيَامَ النَّاسِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِدْعَةً , وَإِمَّا جَهْلا بِمَوَاقِعِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَدًّا بِهِ , وَلَا مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعَادِيَّاتِ كَإِقَامَةِ صُوَرِ الأئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْقُضَاةِ وَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ بِالْأُشْنَانِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسِ وَتَوْسِيعِ
 
الأكْمَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْفَاضِلِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ فَالتَّمْثِيلُ بِهَا لِمَنْدُوبَاتِ الْبِدَعِ وَمُبَاحَاتِهَا , وَكَذَا بِالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ . وَتَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْوِلَايَاتِ الْعِلْمِيَّةِ , وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ لِمُحَرَّمَاتِ الْبِدَعِ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْعَادِيَّاتِ , وَهِيَ الَّتِي مَال إلَيْهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَهَبَ إلَيْهَا بَعْضُ السَّلَفِ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَرَعَاتِ مِنْهَا تَلْحَقُ بِالْبِدَعِ , وَتَصِيرُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَرَعَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْأُمَّةِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ ( الْوَجْهُ الأوَّلُ ) : أَنَّهَا أُمُورٌ جَرَتْ فِي النَّاسِ وَكَثُرَ الْعَمَلُ بِهَا وَشَاعَتْ وَذَاعَتْ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِبَادَاتِ ; إذْ الْأُمُورُ الْمَشْرُوعَةُ تَارَةً تَكُونُ عِبَادِيَّةً , وَتَارَةً تَكُونُ عَادِيَّةً فَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَكَمَا تَقَعُ الْمُخَالَفَةُ بِالِابْتِدَاعِ فِي أَحَدِهِمَا تَقَعُ فِي الْآخَرِ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) : أَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْوَعْدِ بِأَشْيَاءَ تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ سُنَّتِهِ فَتَدْخُلُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ ; لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالَ فَمَا تَأْمُرُنَا يَا
 
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا حَقَّكُمْ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ { مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا { إذَا أُسْنِدَ الأمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيُلْقَى وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ } وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { إنَّ بَيْنَ يَدَيَّ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ } وَالْهَرَجُ الْقَتْلُ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : { حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ رَأَيْت أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا أَنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ , وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا ثُمَّ قَالَ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِك فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا , وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ , وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ .
 
وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ , فَيُقَالُ : إنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلا أَمِينًا , وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ , وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ } الْحَدِيثَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ , وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولٌ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ثُمَّ قَالَ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ } إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { تَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأسْنَانِ سُفَهَاءُ الأحْلَامِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ } , وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه السلام قَالَ { بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا فَيَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ الدُّنْيَا } وَفَسَّرَ ذَلِكَ الْحَسَنُ قَالَ يُصْبِحُ مُحَرِّمًا لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ وَيُمْسِي مُسْتَحِلا لَهُ كَأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ { لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَفْشُوَ الزِّنَا وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ } . وَمِنْ غَرِيبِ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { : إذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ قِيلَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إذَا صَارَ الْمَغْنَمُ دُوَلا , وَالأمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا , وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَهُ , وَعَقَّ أُمَّهُ , وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ وَارْتَفَعَتْ الأصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ , وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ , وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاُتُّخِذَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ , وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا أَوْ مَسْخًا وَقَذْفًا } . وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَرِيبُ هَذَا وَفِيهِ { سَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ , وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَفِيهِ وَظَهَرَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ , وَفِي آخِرِهِ فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ } .
 
فَهَذِهِ الأحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبْدِيلُ الأعْمَالِ الَّتِي كَانُوا أَحَقَّ بِالْعَمَلِ بِهَا فَلَمَّا عَوَّضُوا مِنْهَا غَيْرَهَا وَفَشَا فِيهَا كَأَنَّهُ مِنْ الْمَعْمُولِ بِهِ تَشْرِيعًا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ الطَّارِئَةِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَ فِي الْعِبَادَاتِ .
المصدر نفسه.
مصطلح اختلاف الدار واختلاف الدين:
Dr. Radia Mohammed
Dr. Radia Mohammed
الاداره موسس المنتدي
الاداره موسس المنتدي

التعارف : صديقه
الجنسيه : مصر
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 868
تاريخ التسجيل : 23/09/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Empty رد: أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى الجزء الثالث

مُساهمة من طرف Dr. Radia Mohammed الخميس مايو 12, 2022 1:53 am


 
اخْتِلَافُ الدَّارِ التَّعْرِيفُ : 1 - الدَّارُ لُغَةً : الْمَحَلُّ . وَتَجْمَعُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ , وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْبَلْدَةِ . وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَى اخْتِلَافِ الدَّوْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَنْتَسِبُ إلَيْهِمَا الشَّخْصَانِ . فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ شَيْئًا ; لِأَنَّ دِيَارَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا دَارٌ وَاحِدَةٌ . قَالَ السَّرَخْسِيُّ : " أَهْلُ الْعَدْلِ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ; لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ أَحْكَامٍ , فَبِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمَلِكِ لَا تَتَبَايَنُ الدَّارُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ يَجْمَعُهُمْ " . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ خِلَافٌ , إلَّا مَا قَالَ الْعَتَّابِيُّ : إنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ الأصْلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِنَا , أَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا بِدَارِ الْحَرْبِ . قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : وَقَوْلُ الْعَتَّابِيِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرِيضَةً . فَقَدْ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْوِلَايَةَ بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ فَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } , فَلَمَّا كَانَتْ الْوِلَايَةُ بَيْنَهُمَا مُنْتَفِيَةً كَانَ الْمِيرَاثُ مُنْتَفِيًا ; لِأَنَّ الْمِيرَاثَ عَلَى الْوِلَايَةِ . فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ قَدْ نُسِخَ .
 
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ } . قَالَ السَّرَخْسِيُّ : " فَأَمَّا دَارُ الْحَرْبِ فَلَيْسَتْ بِدَارِ أَحْكَامٍ , وَلَكِنْ دَارُ قَهْرٍ . فَبِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمَلِكِ تَخْتَلِفُ الدَّارُ فِيمَا بَيْنَهُمْ , وَبِتَبَايُنِ الدَّارِ يَنْقَطِعُ التَّوَارُثُ . وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانٍ , لِأَنَّهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ فِينَا , فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ فِي مَنَعَةِ مَلَكِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ بِأَمَانٍ " . أَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ , وَلِذَا فَهُمْ مُخَالِفُونَ فِي الدَّارِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ . أَمَّا الْحَرْبِيُّونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنَّ دُورَهُمْ قَدْ تَتَّفِقُ وَقَدْ تَخْتَلِفُ . قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ شَارِحًا مَعْنَى اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ : " اخْتِلَافُهُمَا بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ أَيْ الْعَسْكَرِ , وَاخْتِلَافُ الْمَلِكِ , كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَلِكَيْنِ فِي الْهِنْدِ , وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ , وَالْآخَرُ فِي التُّرْكِ , وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ أُخْرَى , وَانْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْهُمْ قِتَالَ الْآخَرِ . فَهَاتَانِ الدَّارَانِ مُخْتَلِفَتَانِ , فَتَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِهِمَا الْوِرَاثَةُ ; لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْوِلَايَةِ . أَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاصُرٌ وَتَعَاوُنٌ عَلَى أَعْدَائِهِمَا كَانَتْ الدَّارُ وَالْوِرَاثَةُ ثَابِتَةً " : ( وَانْظُرْ : دَارُ الْإِسْلَامِ وَدَارُ الْكُفْرِ  . وَدَارُ الْإِسْلَامِ مُخَالِفٌ لِدَارِ الْحَرْبِ
 وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاصُرٌ وَتَعَاوُنٌ .

 
اخْتِلَافُ الدِّينِ 1 - اخْتِلَافُ الدِّينِ يَسْتَتْبِعُ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً مُعَيَّنَةً , كَامْتِنَاعِ التَّوَارُثِ . وَاخْتِلَافُ الدِّينِ الَّذِي يَسْتَتْبِعُ تِلْكَ الأحْكَامَ إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافًا بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ , فَهَذَا يَسْتَتْبِعُ أَحْكَامَ اخْتِلَافِ الدِّينِ اتِّفَاقًا , وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّخْصَانِ كَافِرَيْنِ , إلَّا أَنَّ كُلا مِنْهُمَا يَتْبَعُ غَيْرَ مِلَّةِ صَاحِبِهِ , كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا . وَفِي هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافٌ يَتَبَيَّنُ مِمَّا يَلِي : وَمِنْ أَهَمِّ الأحْكَامِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى اخْتِلَافِ الدِّينِ : أ - التَّوَارُثُ : 2 - اخْتِلَافُ الدِّينِ أَحَدُ مَوَانِعِ التَّوَارُثِ , لِبِنَاءِ التَّوَارُثِ عَلَى النُّصْرَةِ , فَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ اتِّفَاقًا . إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ يَرَى تَوْرِيثَ الْكَافِرِ بِالْوَلَاءِ مِنْ عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ . وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ . وَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَرِثَ عِنْدَ أَحْمَدَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ . وَفِي مِيرَاثِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُرْتَدِّ خِلَافٌ . وَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ كَافِرًا , عِنْدَ الْجُمْهُورِ , وَرُوِيَ تَوْرِيثُهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ , لِمَا فِي الْحَدِيثِ { الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى } وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ
{ الْإِسْلَامُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ

 
وَأَمَّا تَوَارُثُ أَهْلِ الْكُفْرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ , فَعِنْدَ الْإِمَامَيْنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ : يَثْبُتُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ عَلَى اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ فِي مُعَادَاةِ الْمُسْلِمِينَ . وَعِنْدَ مَالِكٍ : هُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ : فَالْيَهُودُ مِلَّةٌ , وَالنَّصَارَى مِلَّةٌ , وَمَنْ عَدَاهُمْ مِلَّةٌ . وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : هُمْ مِلَلٌ شَتَّى ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } وَلِحَدِيثِ : { لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى } .
الموسوعة الفقهية، كلمة : اختلاف، ج2 ص
تنازع الصحابة
 
صاحب البدعة والهوى في حكمك ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب غلطة التعصب للرأي واعلم أن هناك أفرادا بل أقواما تعصبوا لآرائهم ومذاهبهم وزعموا أن من خالف هذه الآراء والمذاهب كان مبتدعا متبعا لهواه ولو كان متأولا تأويلا سائغا يتسع له الدليل والبرهان كان رأيهم ومذهبهم هو المقياس والميزان أو كأنه الكتاب والسنة والإسلام وهكذا استزلهم الشيطان وأعماهم الغرور ولقد نجم عن هذه الغلطة الشنيعة أن تفرق كثير من المسلمين شيعا وأحزابا وكانوا حربا على بعضهم وأعداء وغاب عنهم أن الكتاب والسنة والإسلام أوسع من مذاهبهم وآرائهم وأن مذاهبهم وآرائهم أضيق من الكتاب والسنة والإسلام وأن في ميدان الحنيفية السمحة متسعا لحرية الأفكار واختلاف الأنظار ما دام الجميع معتصما بحبل من الله ثم غاب عنهم أن الله تعالى يقول واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ويقول جل ذكره إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ويقول تقدست أسماؤه ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينت وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه لمثل هذا أربأ بنفسي وبك أن نتهم مسلما بالكفر أو البدعة والهوى لمجرد أنه خالفنا في رأي إسلامي نظري فإن الترامي بالكفر والبدعة من أشنع الأمور ولقد قرر علماؤنا أن الكلمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجها ثم احتملت الإيمان من وجه واحد حملت على أحسن المحامل وهو الإيمان وهذا موضوع مفروغ منه ومن التدليل عليه لكن يفت في عضدنا غفلة كثير من إخواننا المسلمين عن هذا الأدب الإسلامي العظيم الذي يحفظ الوحدة ويحمي الأخوة ويظهر الإسلام بصورته الحسنة ووجهه الجميل من السماحة واليسر واتساعه لكافة الاختلافات الفكرية والمنازع المذهبية والمصالح البشرية ما دامت
 
معتصمة بالكتاب والسنة على وجه من الوجوه الصحيحة التي يحتملها النظر السديد والتأويل الرشيد ولقد حدث مثل هذا الاختلاف على عهد رسول الله بين أصحابه فما تنازعوا من أجله بل أخذ كل برأيه وهو يحترم الآخر ورأيه وأقرهم الرسول على ذلك ولم يعب أحدا منهم على رغم أنه يترتب على بعض هذه الاختلافات أن ترك بعضهم الصلاة في وقتها اجتهادا منه إذ قال الرسول الله يوما لفئة من أصحابه لا يصلين أحدكم العصر التعليق بالا
 
إلا في بني قريظة فسافروا وجدوا ولكن الغزالة تدلت للغروب وهم لا يزالون ضاربين في الأرض ولما يصلوا هنالك اجتهدوا فمنهم من وقف عند ظاهر النص فترك العصر حتى خرج وقته ما دام لم يصل إلى بني قريظة ومنهم من تأول النص وحمله على الكناية في الإسراع فصلى حين خاف على الوقت من قبل أن يصل إلى بني قريظة نقول إن مثل هذا الخلاف حدث على عهد صاحب الرسالة وأقره تيسيرا على المسلمين وإعلاما بأن الإسلام دين الكافة يسع جميع البشر في كل العصور والأحوال وشهد المسلمون بعد ذلك عصرا سعيدا كان أئمة الدين فيه يختلفون فيما بينهم كثيرا ولكنهم كانوا بجانب هذا يتكارمون ويتعاونون ويتراحمون كثيرا وإن كنت في شك فاسأل التاريخ عن إكرام مالك للشافعي واحترام الشافعي لأحمد بن حنبل حتى ورد أنه كان يتبرك بغسالة قميصه أي يتبرك الأستاذ الإمام بغسالة قميص تلميذه المخالف له في الرأي والاجتهاد ثم سل التاريخ عن معاونة صاحب أبي حنيفة للشافعي ودفعه إليه كتبه في كرم وحسن ضيافة وصدق محبة ولا تنس إباء مالك على الرشيد أن يحمل الناس في بلاد الإسلام كلها على موطئه ومذهبه ويعتذر إليه بأن الإسلام أوسع من موطئه ومذهبه وأن أصحاب رسول الله تفرقوا في البلاد ولكل وجهة أرأيت هذا النبل والطهر أجل أجل ولكنك ستقضي الأسف حين ترى بجانبه فئات من المسلمين أيضا تراشقوا بالكفر وتراموا بالشرك وتقاذفوا بالتبدع والهوى لمجرد تأويل يستسيغه النظر ويتسع له صدر الاستدلال ثم اتسع الخرق على الراقع في بعض الظروف حتى دارت معارك طاحنة بين صفوف كلها مسلمة وأريقت دماء زكية كلها إسلامية ولا نزال نشهد من مثل هذا الصراع القائم على التنطع مشاهد ما كان أغنانا عنها وما كان أحرانا بالحذر منها خصوصا بعد ما سمعنا من الآيات وبعد أن أقر الرسول أمثال هذه الخلافيات وبعد أن قال في حديث واحد ثلاث مرات هلك المتنطعون وهي كلمة صغيرة ولكنها كبيرة تحذر وتنذر وتمثل الهلاك جاثما في
 
التنطع بأشكاله وألوانه في الأنفس والأعراض والأموال وفي الجماعات والأفراد على سواء لا أريد أن أطيل في هذا ولكني أريد أن أقرر وأكرر أن الحكم على فرد أو جماعة بالبدعة والهوى لا يجوز أن يكون مبنيا على غير بدعة أو هوى ونرى أن من أمثلة هذا التعصب والسير مع الهوى أن يرمي بعض المغالين في الاعتزال إخوانهم من أهل السنة بأنهم حمير في جهالتهم وبأنهم على هوى في عقيدتهم ولم يكفهم أن يقولوا ذلك نثرا بل رددوه شعرا وأنشدوا سامحهم الله التعليق بالا
مناهل العرفان، للزرقاني، ج2

تفسير القرطبي
الجزء :13

الصفحة :311
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون"
فيه مسألتان :
 
الأولى : اختلف العلماء في قوله تعالى : " ولا تجادلوا أهل الكتاب " فقال مجاهد : هي محكمة فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل ، والتنبيه على حججه وآياته ، رجاء إجابتهم إلى الإيمان ، لا على طريق الإغلاط والمخاشنة . وقوله على هذا : " إلا الذين ظلموا منهم " معناه ظلموكم ، وإلا فكلهم ظلمة على الإطلاق . وقيل : المعنى لا تجادلوا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب المؤمنين كعبد الله بن سلا م ومن آمن معه . " إلا بالتي هي أحسن" أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوئلهم وغير ذلك . وقوله على هذا التأويل : " إلا الذين ظلموا " يريد به من بقي على كفره منهم ، كمن كفر وغدر من قريظة والنضير وغيرهم . والآية على هذا أيضاً محكمة . وقيل : هذه الآية منسوخة بآية القتال . وقوله تعالى :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله" [ التوبة : 29] قال قتادة ( إلا الذين ظلموا ) أي جعلوا لله ولداً ، وقالوا : " يد الله مغلولة " [ المائدة : 64] و" إن الله فقير " [آل عمران : 181] فهؤلاء المشركون الذين نصبوا الحرب ولم يؤدوا الجزية فانتصروا منهم . قال النحاس وغيره : من قال هي منسوخة احتج بأن الآية مكية ، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ، ولا طلب جزية ، ولا غير ذبلك . وقول مجاهد حسن ، لأن أحكامن الله عز وجل لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخبر يقطع العذر ، أو حجة من معقول . وأختار هذا القول ابن العربي . وقال للمؤمنين الحرب فجدالهم بالسيف حتى يؤمنوا ، أو يعطوا الجزية .
 
الثانية : قوله تعالى : " وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم " "روى البخاري عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرؤون بالعبرانية ويفسرونها بالعربية ، لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " " وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم " . وروى عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق وإما أن تصدقوا بباطل " وفي البخاري : " عن حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطاً من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب ".
تفسير الطبري
الجزء :10
الصفحة :149
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون"
يقول تعالى ذكره: " ولا تجادلوا " أيها المؤمنون بالله وبرسوله اليهود والنصارى، وهم " أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " يقول: إلا بالجميل من القول، وهو الدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حججه.
وقوله " إلا الذين ظلموا منهم " اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: إلا الذين أبوا أن يقروا لكم بإعطاء الجزية، ونصبوا دون ذلك لكم حرباً، فإنهم ظلمة، فأولئك جادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن سهل، قال: ثنا يزيد، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، في قوله " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم " قال: من قاتل ولم يعط الجزية.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، بنحوه. إلا أنه قال: من قاتلك ولم يعطك الجزية.


عدل سابقا من قبل Dr. Radia Mohammed في الخميس مايو 12, 2022 2:37 am عدل 1 مرات
Dr. Radia Mohammed
Dr. Radia Mohammed
الاداره موسس المنتدي
الاداره موسس المنتدي

التعارف : صديقه
الجنسيه : مصر
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 868
تاريخ التسجيل : 23/09/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى  الجزء الثالث Empty رد: أدب الاختلاف في الإسلام لباجو مصطفى الجزء الثالث

مُساهمة من طرف Dr. Radia Mohammed الخميس مايو 12, 2022 1:55 am

 
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " قال: إن قالوا شراً، فقولوا خيراً، " إلا الذين ظلموا منهم " فانتصروا منهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " إلا الذين ظلموا منهم " قال: قالوا مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمداً صلى الله عليه وسلم، قال: هم أهل الكتاب.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم " قال: أهل الحرب، من لا عهد له، جادله بالسيف.
وقال آخرون: معنى ذلك: " ولا تجادلوا أهل الكتاب " الذين قد آمنوا به، واتبعوا رسوله فيما أخبروكم عنه مما في كتبهم " إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم "، فأقاموا على كفرهم. وقالوا: هذه الآية محكمة، وليست بمنسوخة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " قال: ليست بمنسوخة، لا ينبغي أن تجادل من آمن منهم، لعلهم يحسنون شيئاً في كتاب الله، لا تعلمه أنت، فلا تجادله، ولا ينبغي أن تجادل إلا الذين ظلموا، المقيم منهم على دينه. فقال: هو الذي يجادل، ويقال له بالسيف. قال: وهؤلاء يهود. قال: ولم يكن بدار الهجرة من النصارى أحد، إنما كانوا يهوداً هم الذين كلموا وحالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدرت النضير يوم أحد، وغدرت قريظة يوم الأحزاب.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال، وقالوا: هي منسوخة نسخها قوله
( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) ( التوبة: 29).

ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " ثم نسخ بعد ذلك، فأمر بقتالهم في سورة براءة، ولا مجادلة أشد من السيف أن يقاتلوا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقروا بالخراج.
وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: عني بقوله " إلا الذين ظلموا منهم " إلا الذين امتنعوا من أداء الجزية، ونصبوا دونها الحرب.
فإن قال قائل: أو غير ظالم من أهل الكتاب، إلا من لم يؤد الجزية؟ قيل: إن جميعهم وإن كانوا لأنفسهم بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ظلمة، فإنه لم يعن بقوله " إلا الذين ظلموا منهم " ظلم أنفسهم. وإنما عنى به: إلا الذين ظلموا منهم أهل الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أولئك جادلوهم بالقتال.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب، لأن الله تعالى ذكره أذن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن، بقوله " إلا الذين ظلموا منهم " فمعلوم إذ كان قد أذن لهم في جدالهم، أن الذين لم يؤذن لهم في جدالهم إلا بالتي هي أحسن، غير الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمن، لأن المؤمن منهم غير جائز جداله إلا في غير الحق، لأنه إذا جاء بغير الحق، فقد صار فيسمعنى الظلمة في الذي خالف فيه الحق. فإذ كان ذلك كذلك، تبين أن لا معنى لقول من قال: عنى بقوله " ولا تجادلوا أهل الكتاب " أهل الإيمان منهم، وكذلك لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وزعم أنها منسوخة، لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل.

وقد بينا في غير موضع من كتابنا، أنه لا يجوز أن يحكم على حكم الله في كتابه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل.
وقوله " وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن: إذا حدثكم أهل الكتاب أيها القوم عن كتبهم، وأخبروكم عنها بما يمكن ويجوز أن يكونوا فيه صادقين، وأن يكونوا فيه كاذبين، ولم تعلموا أمرهم وحالهم في ذلك فقولوا لهم " آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم " مما في التوراة والإنجيل " وإلهنا وإلهكم واحد " يقول: ومعبودنا ومعبودكم واحد " ونحن له مسلمون " يقول: ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا ونهانا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر الرواية بذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا علي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم "
"وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " ".
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار، قال: كان ناس من اليهود يحدثون ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
 " لا تصدقوهم ولا تكذبوهم " وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ".

قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن سليمان، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، عن عبد الله، قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال.

وكان مجاهد يقول في ذلك ما:
حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " إلا الذين ظلموا منهم " قال: قالوا مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمداً، " وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم " لمن لم يقل هذا من أهل الكتاب.

تفسير ابن كثير الجزء :2 الصفحة :610
"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين"

يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أو كفر كما قال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " وقوله: " ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك " أي ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم, وقال عكرمة: مختلفين في الهدى وقال الحسن البصري: مختلفين في الرزق يسخر بعضهم بعضاً, والمشهور الصحيح الأول.

وقوله: "إلا من رحم ربك" أي إلا المرحومين من أتباع الرسل الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين, أخبرتهم به رسل الله إليهم ولم يزل ذلك دأبهم حتى كان النبي وخاتم الرسل والأنبياء فاتبعوه وصدقوه ووازروه ففازوا بسعادة الدنيا والاخرة لأنهم الفرقة الناجية كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن من طرق يشد بعضها بعضاً "إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة, قالوا: ومن هم يا رسول الله ؟ قال "ما أنا عليه وأصحابي" رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة, وقال عطاء: "ولا يزالون مختلفين" يعني اليهود والنصارى والمجوس "إلا من رحم ربك" يعني الحنيفية وقال قتادة أهل رحمة الله أهل الجماعة وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم, وقوله: "ولذلك خلقهم" قال الحسن البصري في رواية عنه وللاختلاف خلقهم, وقال مكي بن أبي طلحة عن ابن عباس: خلقهم فريقين كقوله: "فمنهم شقي وسعيد" وقيل للرحمة خلقهم قال ابن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن طاوس: أن رجلين اختصما إليه فأكثرا فقال طاوس اختلفتما وأكثرتما فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا فقال طاوس: كذبت فقال أليس الله يقول: " ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " قال لم يخلقهم ليختلفوا ولكن خلقهم للجماعة والرحمة كما قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب, وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وقيل بل المراد وللرحمة والاختلاف خلقهم كما قال الحسن البصري في رواية عنه في قوله: " ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " قال الناس مختلفون على أديان شتى "إلا من رحم ربك" فمن رحم
ربك غير مختلف فقيل له لذلك

خلقهم قال خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره وخلق لعذابه وكذا قال عطاء بن أبي رباح والأعمش, وقال ابن وهب سألت مالكاً عن قوله تعالى: " ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " قال فريق في الجنة وفريق في السعير, وقد اختار هذا القول ابن جرير وأبو عبيد الفراء وعن مالك فيما روينا عنه من التفسير "ولذلك خلقهم" قال للرحمة وقال قوم للاختلاف. وقوله: "وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره لعلمه التام وحكمته النافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنة ومنهم من يستحق النار وأنه لا بد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين الجن والإنس وله الحجة البالغة والحكمة التامة, وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين فقال الله عز وجل للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء وقال للنار أنت عذابي أنتقم بك ممن أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها فأما الجنة فلا يزال فيها فضل حتى ينشىء الله لها خلقاً يسكن فضل الجنة وأما النار فلا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع عليها رب العزة قدمه فتقول قط قط وعزتك.
تفسير ابن كثير
الجزء :4
الصفحة :271

"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم"
يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن, وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثماً محضاً, فليتجنب كثير منه احتياطاً وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً, وأنت تجد لها في الخير محملاً. وقال أبو عبد الله بن ماجة: حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان الحمصي, حدثنا أبي, حدثنا عبد الله بن أبي قيس النضري, حدثنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول:
 "ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك, والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك, ماله ودمه وأن يظن به إلا خيراً"
 تفرد به ابن ماجة من هذا الوجه, وقال مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث, ولا تجسسوا ولاتحسسوا ولا تنافسوا ولاتحاسدوا, ولا تباغضوا ولا تدابروا, وكونوا عباد الله إخواناً"
رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن العتبي عن مالك به.

وقال سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا, وكونوا عباد الله إخواناً, ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام"
رواه مسلم والترمذي وصححه من حديث سفيان بن عيينة به. وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله القرمطي العدوي حدثنا بكر بن عبد الوهاب المدني حدثنا إسماعيل بن قيس الأنصاري حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الرجال عن أبيه, عن جده حارثة بن النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثلاث لازمات لأمتي: الطيرة والحسد وسوء الظن"
فقال الرجل: وما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟
قال صلى الله عليه وسلم:
"إذا حسدت فاستغفر الله  وإذا ظننت فلا تحقق, وإذا تطيرت فامض" وقال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد رضي الله عنه قال: أتي ابن مسعود رضي الله عنه برجل فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً فقال عبد الله رضي الله: قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به. سماه ابن أبي حاتم في روايته الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم, حدثنا ليث عن إبراهيم بن نشيط الخولاني عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم عن دخين كاتب عقبة قال: قلت لعقبة: إن لنا جيراناً يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم. قال: لا تفعل ولكن عظهم وتهددهم, قال: ففعل فلم ينتهوا.

قال: فجاءه دخين فقال: إني قد نهيتهم فلم ينتهوا وإني داع لهم الشرط فتأخذهم , فقال له عقبة: ويحك لا تفعل ؟ فإني سمعت رسول الله يقول: "من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موؤدة من قبرها" ورواه أبو داود والنسائي من حديث الليث بن سعد به نحوه, وقال سفيان الثوري عن ثور عن راشد بن سعد عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
نك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم" فقال أبو الدرداء رضي الله عنه كلمة سمعها معاوية رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها, ورواه أبو داود منفرداً به من حديث الثوري به.

وقال أبو داود أيضاً: حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي, حدثنا إسماعيل بن عياش, حدثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن جبير بن نفير وكثير بن مرة, وعمرو بن الأسود والمقدام بن معد يكرب وأبي أمامة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم"
"ولا تجسسوا" أي على بعضكم بعضاً والتجسس غالباً يطلق في الشر ومنه الجاسوس. وأما التحسس فيكون غالباً في الخير كما قال عز وجل إخباراً عن يعقوب أنه قال "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله" وقد يستعمل كل منهما في الشر كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا  وكونوا عباد الله إخواناً" وقال الأوزاعي: التجسس البحث عن الشيء. والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم, والتدابر: الصرم, رواه ابن أبي حاتم عنه.

وقوله تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضاً" فيه نهي عن الغيبة, وقد فسرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: حدثنا القعنبي, حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" ورواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي به وقال: حسن صحيح. ورواه ابن جرير عن بندار عن غندر عن شعبة عن العلاء. وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما ومسروق وقتادة وأبو إسحاق ومعاوية بن قرة. وقال أبو داود: حدثنا مسدد, حدثنا يحيى عن سفيان, حدثني علي بن الأقمر عن أبي حذيفة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا. قال غير مسدد: تعني قصيرة, فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قالت: وحكيت له إنساناً فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أحب أني حكيت إنساناً وإن لي كذا وكذا" ورواه الترمذي من حديث يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع ثلاثتهم عن سفيان الثوري, عن علي بن الأقمر عن أبي حذيفة سلمة بن صهيب الأرحبي عن عائشة رضي الله عنها به وقال: حسن صحيح.
وقال ابن جرير: حدثني ابن أبي الشوارب, حدثنا عبد الواحد بن زياد, حدثنا سليمان الشيباني, حدثنا حسان بن المخارق أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها, فلما قامت لتخرج أشارت عائشة رضي الله عنها بيدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي إنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اغتبتها" والغيبة محرمة بالإجماع, ولا يستثنى من ذلك إلا من رجحت مصلحته, كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم, لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة!" وكقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها, وقد خطبها معاوية وأبو الجهم: "أما معاوية فصعلوك, وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" وكذا ما جرى مجرى ذلك, ثم بقيتها على الترحيم الشديد, وقد ورد فيها الزجر الأكيد  ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز وجل: "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه" أي كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوه ذاك شرعاً, فإن عقوبته أشد من هذا, وهذا من التنفير عنها والتحذير منها كما قال صلى الله عليه وسلم في العائد في هبته: "كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه" وقد قال: "ليس لنا مثل السوء" وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".
وقال أبو داود: حدثنا واصل بن عبد الأعلى , حدثنا أسباط بن محمد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه, حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم" ورواه الترمذي عن عبيد بن أسباط بن محمد عن أبيه به وقال: حسن غريب. وحدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا الأسود بن عامر, حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله بن جريج عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه  لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته, ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" تفرد به أبو داود وقد روي من حديث البراء بن عازب. فقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا إبراهيم بن دينار, حدثنا مصعب بن سلام عن حمزة بن حبيب الزيات, عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها ـ أو قال ـ في خدورها, فقال: يا معشر من آمن بلسانه, لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته, ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته". 
طريق أخرى) عن ابن عمر. قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: حدثنا عبد الله بن ناجية, حدثنا يحيى بن أكثم, حدثنا الفضل بن موسى الشيباني عن الحسين بن واقد عن أوفى بن دلهم عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه, لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته, ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله" قال: ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك. قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح, حدثنا قتيبة عن ابن ثوبان عن أبيه عن محكول, عن وقاص بن ربيعة عن المستورد أنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم, ومن كسا ثوباً برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله في جهنم, ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله تعالى يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة" تفرد به أبو داود. وحدثنا ابن مصفى حدثنا بقية وأبو المغيرة, حدثنا صفوان, حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون وجوههم وصدورهم, قلت: من هؤلاء يا
Dr. Radia Mohammed
Dr. Radia Mohammed
الاداره موسس المنتدي
الاداره موسس المنتدي

التعارف : صديقه
الجنسيه : مصر
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 868
تاريخ التسجيل : 23/09/2016

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى