البحث الجديد - اكتشاف الاثار الغارقة في ابي قير والاسكندرية موضوع

من طرف محمد العابد السبت أغسطس 19, 2017 8:53 pm

البحث الجديد - اكتشاف الاثار الغارقة في ابي قير والاسكندرية

كنوز في أرجاء المحروسة "درر مهملة"، وأخرى في طي النسيان، من منا لا يعلم قيمة الآثار المصرية، سواء أكانت فرعونية أو إسلامية أو قبطية، وغيرها من الآثار التي تمثل تاريخ مصر على مر العصور، فبدلاً من الاحتفاء كتب عليها تارة الانهيار والتهريب، وتارة أخرى التآكل، بل إن الكثير منها كان مصيره السرقات، حتى الكنوز الغارقة لم تنج من مصير الآثار الساكنة على أرض المحروسة.
المشروع بين الموت والإحياء

متحف الآثار الغارقة بالإسكندرية.. كلمات ترددت في السنوات الأخيرة أثلجت صدور المصريين، لعلها تكون بداية اهتمام حقيقي لقيمة كبيرة من تاريخ مصر، فكرة إنشاء المتحف قديمة، لكن أعيد إحياءها في عهد وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسني، عندما أعلن أمين المجلس الأعلى للآثار وقتها، زاهي حواس، الانتهاء من دراسات الجدوى التي بدأتها بعثة المعهد الأوروبي للآثار الغارقة، لتنفيذ أول متحف تحت الماء للآثار الغارقة بالإسكندرية، وسيتم عرضها على وزير الثقافة.

محاولات قديمة لاكتشاف الآثار الغارقة

ويرجع تاريخ اكتشاف الآثار الغارقة إلى أوائل القرن الـ20، عندما اكتشف المهندس الفرنسي "جونديه" بعض المنشآت تحت الماء تشبه أرصفة الموانئ غرب جزيرة فاروس، وفي العام 1933 اكتشف أحد الطيارين بالسلاح البريطاني عن طريق الصدفة، أول موقع للآثار الغارقة في مصر، في خليج أبي قير، شرقي الإسكندرية، وأبلغ الأمير عمر طوسون المولع بالأثار، الذي كان يشغل منصب عضو مجلس إدارة جمعية الآثار الملكية بالإسكندرية آنذاك.
وتوصل الأمير الذي قام بتمويل عملية البحث والانتشال، إلى العثور على رأس من الرخام للإسكندر الأكبر، حيث تم انتشاله عام 1961، والمحفوظ الآن بالمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية.

وتعود البداية الحقيقية للتعرف على آثار الإسكندرية الغارقة، باكتشاف الغواص والأثري الراحل كامل أبو السعادات، كتلا أثرية غارقة في أعماق البحر بمنطقة الميناء الشرقي، أمام كل من لساني السلسلة وقلعة قايتباي، وفي العام 1916 سلم أبو السعادات للمتحف اليوناني الروماني بضعةً أوانِ فخارية، كان قد انتشلها أثناء رحلة الغوص.

ما زالت المحاولات مستمرة

ولم تتوقف محاولات أبو كامل عند تلك الأواني الفخارية، فقد انتشل قطعة عملة ذهبية تعود للعصر البيزنطي، وفي العام 1962، أبلغ كامل أبو السعادات عن وجود تماثيل ضخمة وعناصر أثرية أخرى شاهدها تحت الماء، في أثناء رحلة البحث، ما دفع مصلحة الآثار آنذاك بالمعاونة مع القوات البحرية، في النصف الأول من نوفمبر العام 1962 بانتشال تمثال من الجرانيت لرجل يرتدى عباءة تغطى معظم بدنه، بلغ طوله 170 سم.

وتوالت بعد ذلك عمليات الانتشال، حيث تم انتشال التمثال الضخم المعروف بتمثال إيزيس عام 1962، وهو تمثال مصنوع من الجرانيت الأحمر ومشطوراً لنصفين، ويبلغ طوله نحو 7.5 متر، والمحفوظ حالياً بحديقة المتحف البحري بالإسكندرية، وطلبت الحكومة المصرية عام 1968 من منظمة اليونسكو معاونتها في عمل خريطة للآثار الغارقة بالإسكندرية، بالأخص منطقة الميناء الشرقي، فأرسلت المنظمة غواصة عالمية للمساعدة في عملية البحث، وفي العام 1975 تمكنت من رسم خريطة علمية دقيقة للآثار الغارقة بالميناء الشرقي، التي أصبحت فيما بعد خريطة العمل بشكل رسمي.

بحوث أوروبا تكشف الأسرار

وفي 1992، تمكنت بعثة معهد بحوث أوروبا للبحار، برئاسة خبير الكشف عن الآثار الغارقة "فرانك جوديو"، من الكشف عن الكثير من الأسرار الغامضة لآثار الإسكندرية الغارقة، ويرجع ذلك إلى تقدم الأجهرة المستخدمة في رحلة البحث، ثم توالت أعمال المسح، التي بدأتها بعثة المركز الفرنسي القومي للدراسات بالإسكندرية أكتوبر عام 1995، وكان أهم ما توصلت إليه البعثات الأجنبية في التسعينيات، موقع قلعة "قايتباي" وتبلغ مساحته 22500 متر مربع، ويحتوي على أكثر من 3000 قطعة أثرية معمارية.

بينما حدد أبو السعادات سبعة مواقع لسفن أسطول "نابليون" الغارق في قاع خليج أبي قير، قرب جزيرة نيلسون عام 1966، حيث انضمت إليه البعثة الفرنسية "بونابرت" عام 1983 بقيادة "جاك دوما"، وتمكنت البعثة من انتشال مجموعة كبيرة من حطام الأسطول بمشاركة البحرية المصرية والفرنسية.

الانتقال من الانتشال للترويج

وبعد التمكن من تلك الاكتشافات العظيمة، دخلت مصر في مرحلة الترويج لها، فعملت على جعلها تطوف حول العالم في عدد من الجولات، ووافقت وزارة الثقافة آنذاك على بدء الجولات لعرض بعض الرموز التي تمثل تاريخ مصر، وتعبر عن المواطن المصري على مر العصور، وضم المعرض حينها 489 قطعة أثرية نادرة تطوف من متحف آثار مكتبة الإسكندرية، ومتحف الإسكندرية القومي، والمتحف اليوناني الروماني ومخازن الآثار الغارقة ومعمل الترميم بالإسكندرية.

وأقيم المعرض في عدد من دول العالم بدأت ببرلين عاصمة ألمانيا عام 2006، تلتها باريس من ديسمبر 2006 إلى مارس 2007، إضافة إلى مدن "بون" و"مدريد" و"تورينو" و"يوكوهاما"، فضلاً عن "فيلادلفيا" و" سينسيناتي" و"ميلواكي "، وكان آخرهم مدينة "لوس أنجلوس" ديسمبر 2012.

تصميم المتحف واهتمام "اليونسكو"

وبالرغم من صدور الكثير من القرارات بشأن تدشين متحف للأثار الغارقة بالإسكندرية، فإن المشروع لم يتم تنفيذه إلى وقتنا هذا، حيث أصدرت اليونسكو قراراً بإنشاء أول متحف في العالم يقع تحت سطح المياه لمشاهدة آثار مصر الغارقة بالإسكندرية، وحسب تقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أعلنت اليونسكو أن المتحف من تصميم شركة المهندس "جاك روجيه" للتصميمات الهندسية.

وجاء ذلك القرار بعد المرور بمراحل عدة من خلال خطة لإقامة المتحف الغارق تحت مياة البحر المتوسط بالإسكندرية، حيث بدأت في العام 1998، عندما أوفدت اليونسكو بعثة من الخبراء الدوليين كُلفت بمهمة حماية وتنمية المواقع الأثرية الغارقة في ميناء الإسكندرية، وانتهت أعمال البعثة بتوصية لتطوير موقعي قلعة "قايتباي" والميناء الشرقي وتهيئتهما لإقامة متحف تحت الماء، مع الأخذ في الاعتبار ترشيحهما لإدراجهما في قائمة الآثار العالمية.

وبالفعل نظمت اليونسكو بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية عام 1996، حلقة عمل دولية لدراسة إمكانية إنشاء متحف تحت الماء، أسفرت عن توصية بضرورة إجراء دراسة جدوى بشأنه، وفي العام 2009 بدأ العمل على دراسة الجدوى.

الشكل النهائي وتكلفة المتحف

وانتهت الشركة من تصميم الشكل الهندسي للمتحف، حيث سيتكون المتحف من أربعة مبانِ طويلة على شكل أشرعة مراكب نيلية متصلين ببعضهم البعض على شكل دائرة قطرها 40 متراً، على مساحة 22 ألف متر مربع، ويتكون من جزئين أحدهما فوق سطح البحر، ويعرض للقطع التي تم انتشالها، بينما يعرض الجزء السفلي، الذي يمتد لـ7 أمتار تحت سطح البحر، للقطع الأثرية التي لم يتم انتشالها، كما سيضم المتحف أنفاق مكونة من ألياف زجاجية تصل الزوار لمنصات العرض على عمق 22 قدماً.

وبحسب التقارير، فإن تكلفة بناء المتحف تقدر بـ150 مليون دولار، وسيتسع لـ3 ملايين زائر سنويًا، ورغم ضخامة التجهيزات وعظمة المشروع، فإن هناك مشكلة تأرق مصممي المتحف، حيث وصل تلوث المياه إلى أعماق البحر المتوسط، الذي من شأنه تعكير رؤية الآثار، إضافة إلى أنه يؤدي إلى تلف القطع الأثرية المغمورة بمياه البحر.

عوائق في طريق المشروع

وبعد الانتهاء من التجهيزات الخاصة بالمشروع، أوفدت اليونسكو إلى مصر لجنة استشارية علمية دولية بتاريخ 2 مايو 2010، للبدء في بناء المتحف، إلا أن المشروع توقف بسبب أحداث ثورة 25 يناير.

وبعد مرور عامين على الثورة المصرية، بتاريخ 2 سبتمبر 2013، أرسلت اليونسكو نخبة من علماء الآثار الدوليين، لدراسة مكان إنشاء المتحف بمنطقة الميناء الشرقي في وسط الإسكندرية، إضافة إلى دراسة تأثيراته الاقتصادية والثقافية.

نفي وجود دراسات جدوى "اليونسكو"

وبحسب الموقع الرسمي لمنظمة اليونسكو، فإن المنظمة أرسلت عدداً من البعثات بداية من 1996 حتى العام 2009، لإجراء دراسات جدوى للوقوف على مدى إمكانية انشاء المشروع، إلا أن المسئول الإعلامي لوزارة الآثار، نفين العارف، قالت إنه لا يوجد شيء يسمى متحف الإسكندرية للآثار الغارقة، مضيفةً أن المشروع مجرد فكرة تقدم بها باحث فرنسي، ولم يتم العمل على الفكرة.

وأضافت العارف لـ"الطريق" أن منظمة اليونسكو لم ترسل أي بعثات، كما أنها لم تجري دراسات جدوى حول المشروع، مشيرةً إلى أن المنظمة من شأنها النظر إلى المشروع وتصميمه فقط.

وبالرغم من أن الموقع الرسمي لمنظمة اليونسكو نشر أن دراسة الجدوى بدأت عام 2009، فإن نفين العارف زعمت أن تاريخ تقديم فكرة المشروع بدأ بتاريخ ما بين 2009 لـ2010، وأشارت إلى ارجعت أسباب عدم البدء في العمل على الفكرة إلى ضعف التمويل، وحاجة المشروع إلى متخصصين في المجال.

المتحف ينعش حركة السياحة

فيما يرى الخبير الأثري عمر زكي، أن فكرة إنشاء المتحف تعد فكرة عظيمة، نظراً لإقامة متحف للآثار الغارقة تحت الماء على غرار المتاحف الموجودة بفرنسا وهولندا وإيطاليا.

وأضاف زكي إلى أن المشروع يجب أن يلتزم بآليات كبيرة مرتبطة بفكرته، مشيرًا إلى أن المشروع ستتموله منظمات كبرى مثل اليونسكو، إضافة إلى منظمة الجايكا اليابانية، اللتان تعهدتا بالتنفيذ العالمي، وتابع أنه إقامة المشروع تعد إنجازًا كبيرًا.

وذكر عمر لـ"الطريق" أن أسباب توقف المشروع تخص وزارة الآثار، حيث إن الوزارة لا يوجد لديها ميزانية مخصصة لها، ولا أي اعتمادات مالية مخصصة للمشاريع الأثرية، وذلك بعد اندلاع ثورة 25 يناير.

وأشار زكي إلى أن متحف الإسكندرية سيكون أول متحف من نوعه في الشرق الأوسط مقام بمصر، وسيكون له مردود عالمي كبير، كما سيؤثر بشكل إيجابي على الدخل القومي المصري، كما أنه سينعش حركة السياحة، حيث أنه يوجد نحو 7 متاحف تحت الماء على مستوى العالم.

وتابع فكرة أن تكلفة المشروع التي تقدر بـ150 مليون دولار تعد مقترحًا، مشيرًا إلى مساهمة اليونسكو في إقامة عدة متاحف مصرية، منها "متحف الحضارة"، إضافة إلى المتحف المصري الكبير، إلا أن مشروع متحف الإسكندرية للآثار الغارقة ما يزال تحت الدراسة.