بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
مواضيع مماثلة
العمارة الاسلامية . من يعيد لها الأعتبار
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
العمارة الاسلامية . من يعيد لها الأعتبار
العمارة الاسلامية ... من يعيد لها الأعتبار
الفهم الشائع للعمارة الإسلامية حصرها في الجانب الديني فقط
أوروبا حذفت العمارة الإسلامية من تاريخ العمارة العام
تتمسك كل أمة بجذور هويتها لتقاوم ذلك الإعصار الآتي قريباً- هذا إن لم نكن نعيشه - والمسمى «بالعولمة» أو «الكونية الجديدة»، نجد انفسنا ودون اسباب مقنعة نتخلى عن أهم ما يميز حضارتنا العربية الاسلامية وهو «العمارة الاسلامية» التي ساهمنا في تهميشها واخراجها بارادتنا عن دائرة اهتمامنا وحصرها فقط داخل اطار احادي هو الاطار الديني الامر الذي ادى الى دراستها من جانب المستشرقين فقط وليس المعماريين.
في السطور القادمة نقوم بإلقاء الضوء
على العمارة الاسلامية واهم المشاكل التي
تحول دون دراستها وفهمها فهماً صحيحاً.
ولعل البداية دائماً تكون من الماهية؟ فما هي أولاً العمارة الاسلامية؟ هناك مجالان اساسيان للتعرف على ماهية العمارة الاسلامية المجال الأول معماري تاريخي وعاطفي يعتمد على ثلاثة محاور تنظيرية في تعريف الحضارة الاسلامية، الأول هو المحور الشكلي الذي يختزل العمارة الاسلامية في اشكالها الاكثر رواجاً كالأقواس والقباب والباحات الداخلية والأواوين والمشربيات والشادروانات، ويعطي لهذه الاشكال وظائف خصوصية إسلامية نجد مرتكزاتها في فكر اسلامي موحد الجذور والمظاهر
والمآرب وفي مناخ ديني واجتماعي مشترك.
أما المحور الثاني فهو المحور الروحاني الصوفي الذي يرى في التاريخ المعماري الاسلامي انعكاساً مباشراً لنظريات تصوفية تعود لاعمال الصوفيين العظام من القرون الوسطى كابن العربي وجلال الدين الرومي دون اي إثبات تاريخي على أن الأفكار والمبادئ والإرهاصات الصوفية
قد أثرت في شكل العمارة ومضمونها وزخرفها.
المحور البيئي هو المحور الثالث الذي يرى في الابداعات الاسلامية - الشعبية والريفية خصوصاً - ارتباطاً ببيئتها وردود فعل خلاقة لمعطيات هذه البيئة من حرارة زائدة وطقس جاف وندرة في الماء والخضرة، وعلى الرغم من أن السمة المناخية سائدة في غالبية مناطق العالم الاسلامي إلا أنها ليست مطلقة.
تتقاطع هذه المحاور الثلاثة لتعطي التعريف الاكثر رواجاً في الوقت الحاضر للعمارة الاسلامية الذي يركز على الاشكال المميزة للنماذج التاريخية وعلى البعد الروحاني الصوفي وعلى استجابة بيئية عضوية للمناخ الصحراوي الحار والجاف تحديداً.
المجال الأكاديمي
أما المجال الثاني فهو أكاديمي محايد يعتمد على البعدين التاريخي والجغرافي، فتاريخ العمارة الاسلامية يمتد ما بين القرن السابع وبداية القرن التاسع عشر الميلادي منذ ظهور الإسلام وحتى عصر الغزو الأوروبي لمعظم الأراضي الإسلامية وهيمنة الحضارة الغربية الحديثة على أوجه الإنتاج الفني والثقافي كافة بعد زوال الاستعمار في أواخر عصر التحرر الوطني.. في العقود الاخيرة من القرن العشرين بدأت تعود عبارة «العمارة الإسلامية» للظهور كدلالة على عمارة معاصرة تحت تأثير كل من التيار العالمي لما بعد الحداثة التي دعت للعودة الى الاعتماد على التاريخ للمنشأ المعماري شكلاً ومضموناً، وصعود مسألة الهوية الوطنية والقومية والثقافة الاسلامية الى سطح اهتمام المنظرين العرب والمسلمين، ومن بعدهم الجماهير الغفيرة في الفترة نفسها واندفاعهم المحموم الى الارتباط بها والتعبير عنها شكلاً ومعنى في اكثر
من مجال وأكثر من أسلوب.
أما البعد الجغرافي فيري أن العمارة الاسلامية هي مجمل المباني والمنشآت التي تحفل بها مدن العالم الاسلامي ومناطقه بما فيها تلك التي شكلت يوماً ما جزءاً منه ثم انتزعتها حضارات أخرى كالأندلس وصقلية، أو تلك التي ضمت اليه اخيراً كتركيا والبوسنة مثلاً، أو تلك التي لم تكن مكوناً سياسياً في دار الإسلام حتى العصر الحديث ولكنها دارت في فلكه الثقافي أو التجاري قبل أن تصبح جزءاً منه مثل ماليزيا وجنوب الفلبين وبعض المناطق الصينية والافريقية جنوب الصحراء الكبرى، واخيراً تلك التي لم تشكل يوماً ولا تشكل اليوم جزءاً من العالم الاسلامي ولكن التطورات السياسية والاقتصادية في العالم المعاصر جعلتها موطناً لمجموعات كبيرة من المسلمين المهاجرين الذين يبدو أنهم باقون فيها.
قصور واضح
والمدقق في هذين المجالين التعريفيين الاكاديمي والمعماري على السواء يجد انهما يعانيان من سلسلة من السلبيات اهمها ارتكازهما غير النقدي على أسس معرفية لا تعكس التطورات النظرية الحديثة في تجذير
أي إنتاج ثقافي ضمن سياقه التاريخي العام وفي البحث
عن تقاطعاته داخل ثقافته وخارجها.
وكلاهما قاصر عن إظهار الخلفيتين السياسية والثقافية لتطور مفهوم العمارة الاسلامية منذ أن ظهرت أول دراسة معمارية تاريخية لمنشأة اسلامية «قطب منار في دهلي» والتي قدمها المهندس البريطاني
جيمس بلنت عام 1798 وحتى الآن.
كما انهما قاما بتحديد المنظور الذي يطل منه على تاريخ العمارة الاسلامية ويؤطره ضمن بنى تنظيمية تعتمد على الانفصال والتمييز الجغرافي أو الثقافي أو الديني أو العرقي أو على خليط من هذه الأطر، اضافة الى انهما عجزا عن الإحاطة بمختلف مدلولات العلاقة المتشابكة بين المعرفة والقوة عن طريق تسليط الضوء على آليات تطويع البحث العلمي والأكاديمي لضرورات السياسة ومصالح الدول الآنية والاستراتيجية وعن طريق إعادة النظر في كيفية استخدام مختلف المباحث التاريخية مثل تاريخ العمارة والفن والأدب في تأطير ثقافة ما وتعريفها وتقييم منزلتها في زمن محدد بما يرضي رغبة
الجهة ممولة البحث مهما كانت هذه الجهة.
والفهم الشائع للعمارة الاسلامية تتجلى فيه مشكلة أساسية هي أنه فهم تاريخي محض يراها انتاجاً معمارياً محصوراً ومحدداً بالثقافة الدينية ذاتها، وذلك باختزال المساهمات المعمارية غير الدينية التي انجزتها مختلف القوى الفاعلة اجتماعياً وسياسياً واثنياً في الحضارة الإسلامية إما الى ارهاصات معبرة عن جوهر الاسلام الديني او الغيبي فقط كتفسير القباب على أنها رمز السماء أو المقرنصات على أنها الترجمة الفراغية للنظرية الأشعرية في تفسير الكون أو الى تأثيرات خارجية لا علاقة لها بالعمارة الإسلامية النقية.
كما أن هذا الفهم الشائع عن العمارة الاسلامية يقوم بتهميش الاندفاعات الفنية أو المعمارية المبدعة في الماضي والحاضر التي خالفت الأسس الدينية التي نسبت - حقأ أم اعتباطا - للإسلام كتحريم التصوير على سبيل المثال أو كراهية البناء المزخرف في العصور الأولى، أو حذفت كلياً من
الخطاب المعماري الاسلامي المهيمن بحجج أنها
لا تمثل التوجه العام للاسلام.
استثناء مجحف
إلا أن اكثر ما أثاره هذا الفهم الشائع عن العمارة الاسلامية هو استثناء اي ابداع معماري أنجزه غير المسلمين ضمن إطار الحضارة الاسلامية ونسبه الى تكون حضاري مغاير ومختلف كالقول ان العمارة الساسانية من القرن الأول الهجري «السابع الميلادي» أو العمارة القبطية من القرن الحادي عشر الميلادي أو العمارة الهندوسية من القرن السابع عشر، بالرغم من ان هذه الحضارات تمت وترعرت في إطار إسلامي ساهمت فيه وتأثرت به.
ولم يأت هذا الفهم القاصر والمسيس دفعة واحدة وانما تطور خلال فترة قرن ونصف القرن هي فترة الغزو الأوروبي لمعظم الأراضي الاسلامية ابتداء من بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين وما تبع ذلك من الهيمنة الغربية على العالم معرفياً وثقافياً وفنياً، ثم أتت الحركات الأصولية في نهاية القرن العشرين لترسخ التعريف الاستعماري المتبع من خلال تركيزها على خصوصية متشددة تستثني من الثقافة الإسلامية كل أقلية مذهبية أو دينية غير مسلمة حتى
وان ساهموا في انجازاتها الحضارية.
تاريخ ملفق
لقد نسجت اوروبا لنفسها تاريخاً مركباً وملفقاً احياناً وضعت نفسها في سدته، وقامت بترتيب الحضارات والثقافات والشعوب الأخرى وفقاً لعلاقتها بها على مر الزمن، وفي مجال العمارة نجد أن عصر التنوير صنع لأوروبا سلسلة تاريخية متميزة ومتصلة من بدايات مصرية «مفترضة» الى كلاسيكية الإغريق والرومان الى البيزنطيين والمسيحيين الأوائل ففترتا الروماتك والقوطية الى عصر النهضة وما تلاه من الباروك والروكوكو والكلاسيكية المجددة حتى العمارة الحديثة وما بعد الحديثة والتفكيكية، وقد تم استبعاد كل ما يمكن ان ينسب الفضل في بعض انجازاتها الى غير الحضارة الغربية وفقاً لتطور معرفة اوروبا لنفسها وللآخر سواء كان هذا الآخر معاصراً أم بائداً، مسلماً أم مسيحياً أم هندوسياً أم بوذياً أم شرقياً أم افريقيا أم امريكياً أصلياً، وهذا ما حدث مع العمارات الرافدية والآرامية والفينيقية التي انمحت من مجموعة العمارات المؤسسة الرئيسية بالرغم من اسبقيتها الى الكثير من الابتكارات المعمارية ثابتة اركيولوجياً وتاريخياً وقد حلت محلها في السلسلة التاريخية الأوروبية عمارات غربية متأخرة نسبياً أو متبناة من الغرب كالحشيش في الأناضول والمينوين في كريت والإيونيين في اليونان القديمة، في حين حافظت العمارة المصرية القديمة
على أولويتها بسبب رسوخ الأدلة التي تثبت
اقتباس الإغريق معظم عمارتهم منها.
أما العمارة الإسلامية بمدارسها المختلفة كسلسلة فعالة خلاقة ومبدعة عاصرت العمارة الأوروبية وترافقت معها منذ العهد البيزنطي وحتى اليوم فقد حذفت بكل بساطة من تاريخ العمارة العام.
ونتيجة لذلك فقد انتشرت دعوات دراسة تاريخ العمارة الاسلامية دراسة جديدة بهدف انتشالها من التعمية النسبية التي دفعت فيها بسبب الاستعمار والاستشراق والعنجهية التمييزية الغربية، واعادة تمثلها وتقديمها لعمارة اسلامية حديثة تحترم تراثها وتستلهمه وذلك من خلال تأسيس اكاديميات لدراسة وتدريس تاريخ العمارة الاسلامية وإنشاء مراكز بحوث متخصصة لمتابعة هذا الاهتمام وتوسيعه وتعميقه وقد ترافقت هذه التطورات الواعدة من محاولات جادة في العمارة العربية باتجاه تطوير لغة معمارية حداثية وما بعد حداثية تستلهم التراث المعماري الاسلامي وتبنى عليه، وبدأ الاهتمام يتوجه لبعض المعماريين المبدعين والرواد الذين كانوا قد بدأوا البحث في التراث المعماري الاسلامي قبل ذلك ولكن بقدر قليل من الضوضاء والشهرة والنجومية وبقدر أقل من التنظير.
القرية الجديدة
فالمعماري الراحل حسن فتحي لم ينشر كتابه المهم عن تجربته في قرية «القرنة الجديدة» التي حدثت في الأربعينيات الا في منتصف الستينيات ولم تظهر ترجمات الكتاب الى الفرنسية والانجليزية إلا في اواخر السبعينيات، وقد قدمت عمارة حسن فتحي ابداعاً معاصراً رومانتيكياً مثلث قاعدة تشكيلية وايدلوجية للكثيرين ممن اقتفوا خطه بعده، ولعل اكثر هؤلاء هو المعماري المصري عبدالواحد الوكيل الذي نحى منحى تاريخياً تركيبياً يصبغ الاشكال التاريخية العربية الاسلامية في تشكيلات نحتية مبدعة وإن كانت تفتقر الى السياق التاريخي الواضح كما في مجموعة المساجد الصغيرة التي صممها في جدة في منتصف الثمانينيات.
أيضاً يوجد المعماري العراقي باسل البياتي الذي يقتبس من المباني التاريخية مباشرة في أعماله وان كان بعضها لا يخلو من الحساسية التشكيلية الناجمة كمسجد ادنبرة في اسكتلندا. على الطرف الآخر هناك مجموعة اخرى من المعماريين الذين ارادوا أن يوفقوا في اعمالهم بين العقلانية الحداثية التصميمية والانشائية والمعمارية من جهة والانتماء الى التراث المعماري الاسلامي من جهة اخرى، ولعل في المعماريين العراقي محمد مكيه خاصة في مسجد الكويت الكبير والأردني واسم بدران خاصة في مسجد بغداد الكبير وجامع قصر الحكم في الرياض والتركي بهروز شينشي في مسجد الجمعية الوطنية بأنقرة خير أمثلة على هذا الاتجاه.
وكان من الممكن نجاح هذه الاتجاهات المعمارية والأكاديمية في تحرير العمارة الاسلامية من محدودية خصوصية ثقافتها المفروضة عليها، وفتحها على تاريخ العالم الفني والإبداعي كعضو مساهم وفعال في التراث المعماري الإنساني المشترك في حالة منحها المسافة الزمنية المناسبة لبلوغ رشدها النقدي ولكن تسارع الأحداث السياسية الذي ثور الصحوة الاسلامية تمخضت عنها نظريات في العمارة الاسلامية لم تأت بجديد إلا اصرارها السابق على مناقشة تحليل وبرهان تفوق العمارة الاسلامية وتميـزها على عمارات الحضارات الاخرى، تماماً كما فعل منظرو العمارة الأوروبيـون بالنسبة للعمارة الغربية من خلال
اختراعهـم لسلسلة من تاريخ العمارة نفسها.
وما فات هذه النظريات الاسلامية الجديدة ان تلاحظه هو أن محافظتها على منهج «السلسلة التراتبية» كأساس لتأطير العمارة وان اعطت لنفسها المركز المتميز يدمغها بالصفة التمييزية العنصرية ويعزلها عن الخطاب المعاصر الذي انطلق في مغامرة منهجية ومعرفية تنظر الى تراث كل الحضارات المعماري على أنه تراث معماري انساني مشترك
الفهم الشائع للعمارة الإسلامية حصرها في الجانب الديني فقط
أوروبا حذفت العمارة الإسلامية من تاريخ العمارة العام
تتمسك كل أمة بجذور هويتها لتقاوم ذلك الإعصار الآتي قريباً- هذا إن لم نكن نعيشه - والمسمى «بالعولمة» أو «الكونية الجديدة»، نجد انفسنا ودون اسباب مقنعة نتخلى عن أهم ما يميز حضارتنا العربية الاسلامية وهو «العمارة الاسلامية» التي ساهمنا في تهميشها واخراجها بارادتنا عن دائرة اهتمامنا وحصرها فقط داخل اطار احادي هو الاطار الديني الامر الذي ادى الى دراستها من جانب المستشرقين فقط وليس المعماريين.
في السطور القادمة نقوم بإلقاء الضوء
على العمارة الاسلامية واهم المشاكل التي
تحول دون دراستها وفهمها فهماً صحيحاً.
ولعل البداية دائماً تكون من الماهية؟ فما هي أولاً العمارة الاسلامية؟ هناك مجالان اساسيان للتعرف على ماهية العمارة الاسلامية المجال الأول معماري تاريخي وعاطفي يعتمد على ثلاثة محاور تنظيرية في تعريف الحضارة الاسلامية، الأول هو المحور الشكلي الذي يختزل العمارة الاسلامية في اشكالها الاكثر رواجاً كالأقواس والقباب والباحات الداخلية والأواوين والمشربيات والشادروانات، ويعطي لهذه الاشكال وظائف خصوصية إسلامية نجد مرتكزاتها في فكر اسلامي موحد الجذور والمظاهر
والمآرب وفي مناخ ديني واجتماعي مشترك.
أما المحور الثاني فهو المحور الروحاني الصوفي الذي يرى في التاريخ المعماري الاسلامي انعكاساً مباشراً لنظريات تصوفية تعود لاعمال الصوفيين العظام من القرون الوسطى كابن العربي وجلال الدين الرومي دون اي إثبات تاريخي على أن الأفكار والمبادئ والإرهاصات الصوفية
قد أثرت في شكل العمارة ومضمونها وزخرفها.
المحور البيئي هو المحور الثالث الذي يرى في الابداعات الاسلامية - الشعبية والريفية خصوصاً - ارتباطاً ببيئتها وردود فعل خلاقة لمعطيات هذه البيئة من حرارة زائدة وطقس جاف وندرة في الماء والخضرة، وعلى الرغم من أن السمة المناخية سائدة في غالبية مناطق العالم الاسلامي إلا أنها ليست مطلقة.
تتقاطع هذه المحاور الثلاثة لتعطي التعريف الاكثر رواجاً في الوقت الحاضر للعمارة الاسلامية الذي يركز على الاشكال المميزة للنماذج التاريخية وعلى البعد الروحاني الصوفي وعلى استجابة بيئية عضوية للمناخ الصحراوي الحار والجاف تحديداً.
المجال الأكاديمي
أما المجال الثاني فهو أكاديمي محايد يعتمد على البعدين التاريخي والجغرافي، فتاريخ العمارة الاسلامية يمتد ما بين القرن السابع وبداية القرن التاسع عشر الميلادي منذ ظهور الإسلام وحتى عصر الغزو الأوروبي لمعظم الأراضي الإسلامية وهيمنة الحضارة الغربية الحديثة على أوجه الإنتاج الفني والثقافي كافة بعد زوال الاستعمار في أواخر عصر التحرر الوطني.. في العقود الاخيرة من القرن العشرين بدأت تعود عبارة «العمارة الإسلامية» للظهور كدلالة على عمارة معاصرة تحت تأثير كل من التيار العالمي لما بعد الحداثة التي دعت للعودة الى الاعتماد على التاريخ للمنشأ المعماري شكلاً ومضموناً، وصعود مسألة الهوية الوطنية والقومية والثقافة الاسلامية الى سطح اهتمام المنظرين العرب والمسلمين، ومن بعدهم الجماهير الغفيرة في الفترة نفسها واندفاعهم المحموم الى الارتباط بها والتعبير عنها شكلاً ومعنى في اكثر
من مجال وأكثر من أسلوب.
أما البعد الجغرافي فيري أن العمارة الاسلامية هي مجمل المباني والمنشآت التي تحفل بها مدن العالم الاسلامي ومناطقه بما فيها تلك التي شكلت يوماً ما جزءاً منه ثم انتزعتها حضارات أخرى كالأندلس وصقلية، أو تلك التي ضمت اليه اخيراً كتركيا والبوسنة مثلاً، أو تلك التي لم تكن مكوناً سياسياً في دار الإسلام حتى العصر الحديث ولكنها دارت في فلكه الثقافي أو التجاري قبل أن تصبح جزءاً منه مثل ماليزيا وجنوب الفلبين وبعض المناطق الصينية والافريقية جنوب الصحراء الكبرى، واخيراً تلك التي لم تشكل يوماً ولا تشكل اليوم جزءاً من العالم الاسلامي ولكن التطورات السياسية والاقتصادية في العالم المعاصر جعلتها موطناً لمجموعات كبيرة من المسلمين المهاجرين الذين يبدو أنهم باقون فيها.
قصور واضح
والمدقق في هذين المجالين التعريفيين الاكاديمي والمعماري على السواء يجد انهما يعانيان من سلسلة من السلبيات اهمها ارتكازهما غير النقدي على أسس معرفية لا تعكس التطورات النظرية الحديثة في تجذير
أي إنتاج ثقافي ضمن سياقه التاريخي العام وفي البحث
عن تقاطعاته داخل ثقافته وخارجها.
وكلاهما قاصر عن إظهار الخلفيتين السياسية والثقافية لتطور مفهوم العمارة الاسلامية منذ أن ظهرت أول دراسة معمارية تاريخية لمنشأة اسلامية «قطب منار في دهلي» والتي قدمها المهندس البريطاني
جيمس بلنت عام 1798 وحتى الآن.
كما انهما قاما بتحديد المنظور الذي يطل منه على تاريخ العمارة الاسلامية ويؤطره ضمن بنى تنظيمية تعتمد على الانفصال والتمييز الجغرافي أو الثقافي أو الديني أو العرقي أو على خليط من هذه الأطر، اضافة الى انهما عجزا عن الإحاطة بمختلف مدلولات العلاقة المتشابكة بين المعرفة والقوة عن طريق تسليط الضوء على آليات تطويع البحث العلمي والأكاديمي لضرورات السياسة ومصالح الدول الآنية والاستراتيجية وعن طريق إعادة النظر في كيفية استخدام مختلف المباحث التاريخية مثل تاريخ العمارة والفن والأدب في تأطير ثقافة ما وتعريفها وتقييم منزلتها في زمن محدد بما يرضي رغبة
الجهة ممولة البحث مهما كانت هذه الجهة.
والفهم الشائع للعمارة الاسلامية تتجلى فيه مشكلة أساسية هي أنه فهم تاريخي محض يراها انتاجاً معمارياً محصوراً ومحدداً بالثقافة الدينية ذاتها، وذلك باختزال المساهمات المعمارية غير الدينية التي انجزتها مختلف القوى الفاعلة اجتماعياً وسياسياً واثنياً في الحضارة الإسلامية إما الى ارهاصات معبرة عن جوهر الاسلام الديني او الغيبي فقط كتفسير القباب على أنها رمز السماء أو المقرنصات على أنها الترجمة الفراغية للنظرية الأشعرية في تفسير الكون أو الى تأثيرات خارجية لا علاقة لها بالعمارة الإسلامية النقية.
كما أن هذا الفهم الشائع عن العمارة الاسلامية يقوم بتهميش الاندفاعات الفنية أو المعمارية المبدعة في الماضي والحاضر التي خالفت الأسس الدينية التي نسبت - حقأ أم اعتباطا - للإسلام كتحريم التصوير على سبيل المثال أو كراهية البناء المزخرف في العصور الأولى، أو حذفت كلياً من
الخطاب المعماري الاسلامي المهيمن بحجج أنها
لا تمثل التوجه العام للاسلام.
استثناء مجحف
إلا أن اكثر ما أثاره هذا الفهم الشائع عن العمارة الاسلامية هو استثناء اي ابداع معماري أنجزه غير المسلمين ضمن إطار الحضارة الاسلامية ونسبه الى تكون حضاري مغاير ومختلف كالقول ان العمارة الساسانية من القرن الأول الهجري «السابع الميلادي» أو العمارة القبطية من القرن الحادي عشر الميلادي أو العمارة الهندوسية من القرن السابع عشر، بالرغم من ان هذه الحضارات تمت وترعرت في إطار إسلامي ساهمت فيه وتأثرت به.
ولم يأت هذا الفهم القاصر والمسيس دفعة واحدة وانما تطور خلال فترة قرن ونصف القرن هي فترة الغزو الأوروبي لمعظم الأراضي الاسلامية ابتداء من بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين وما تبع ذلك من الهيمنة الغربية على العالم معرفياً وثقافياً وفنياً، ثم أتت الحركات الأصولية في نهاية القرن العشرين لترسخ التعريف الاستعماري المتبع من خلال تركيزها على خصوصية متشددة تستثني من الثقافة الإسلامية كل أقلية مذهبية أو دينية غير مسلمة حتى
وان ساهموا في انجازاتها الحضارية.
تاريخ ملفق
لقد نسجت اوروبا لنفسها تاريخاً مركباً وملفقاً احياناً وضعت نفسها في سدته، وقامت بترتيب الحضارات والثقافات والشعوب الأخرى وفقاً لعلاقتها بها على مر الزمن، وفي مجال العمارة نجد أن عصر التنوير صنع لأوروبا سلسلة تاريخية متميزة ومتصلة من بدايات مصرية «مفترضة» الى كلاسيكية الإغريق والرومان الى البيزنطيين والمسيحيين الأوائل ففترتا الروماتك والقوطية الى عصر النهضة وما تلاه من الباروك والروكوكو والكلاسيكية المجددة حتى العمارة الحديثة وما بعد الحديثة والتفكيكية، وقد تم استبعاد كل ما يمكن ان ينسب الفضل في بعض انجازاتها الى غير الحضارة الغربية وفقاً لتطور معرفة اوروبا لنفسها وللآخر سواء كان هذا الآخر معاصراً أم بائداً، مسلماً أم مسيحياً أم هندوسياً أم بوذياً أم شرقياً أم افريقيا أم امريكياً أصلياً، وهذا ما حدث مع العمارات الرافدية والآرامية والفينيقية التي انمحت من مجموعة العمارات المؤسسة الرئيسية بالرغم من اسبقيتها الى الكثير من الابتكارات المعمارية ثابتة اركيولوجياً وتاريخياً وقد حلت محلها في السلسلة التاريخية الأوروبية عمارات غربية متأخرة نسبياً أو متبناة من الغرب كالحشيش في الأناضول والمينوين في كريت والإيونيين في اليونان القديمة، في حين حافظت العمارة المصرية القديمة
على أولويتها بسبب رسوخ الأدلة التي تثبت
اقتباس الإغريق معظم عمارتهم منها.
أما العمارة الإسلامية بمدارسها المختلفة كسلسلة فعالة خلاقة ومبدعة عاصرت العمارة الأوروبية وترافقت معها منذ العهد البيزنطي وحتى اليوم فقد حذفت بكل بساطة من تاريخ العمارة العام.
ونتيجة لذلك فقد انتشرت دعوات دراسة تاريخ العمارة الاسلامية دراسة جديدة بهدف انتشالها من التعمية النسبية التي دفعت فيها بسبب الاستعمار والاستشراق والعنجهية التمييزية الغربية، واعادة تمثلها وتقديمها لعمارة اسلامية حديثة تحترم تراثها وتستلهمه وذلك من خلال تأسيس اكاديميات لدراسة وتدريس تاريخ العمارة الاسلامية وإنشاء مراكز بحوث متخصصة لمتابعة هذا الاهتمام وتوسيعه وتعميقه وقد ترافقت هذه التطورات الواعدة من محاولات جادة في العمارة العربية باتجاه تطوير لغة معمارية حداثية وما بعد حداثية تستلهم التراث المعماري الاسلامي وتبنى عليه، وبدأ الاهتمام يتوجه لبعض المعماريين المبدعين والرواد الذين كانوا قد بدأوا البحث في التراث المعماري الاسلامي قبل ذلك ولكن بقدر قليل من الضوضاء والشهرة والنجومية وبقدر أقل من التنظير.
القرية الجديدة
فالمعماري الراحل حسن فتحي لم ينشر كتابه المهم عن تجربته في قرية «القرنة الجديدة» التي حدثت في الأربعينيات الا في منتصف الستينيات ولم تظهر ترجمات الكتاب الى الفرنسية والانجليزية إلا في اواخر السبعينيات، وقد قدمت عمارة حسن فتحي ابداعاً معاصراً رومانتيكياً مثلث قاعدة تشكيلية وايدلوجية للكثيرين ممن اقتفوا خطه بعده، ولعل اكثر هؤلاء هو المعماري المصري عبدالواحد الوكيل الذي نحى منحى تاريخياً تركيبياً يصبغ الاشكال التاريخية العربية الاسلامية في تشكيلات نحتية مبدعة وإن كانت تفتقر الى السياق التاريخي الواضح كما في مجموعة المساجد الصغيرة التي صممها في جدة في منتصف الثمانينيات.
أيضاً يوجد المعماري العراقي باسل البياتي الذي يقتبس من المباني التاريخية مباشرة في أعماله وان كان بعضها لا يخلو من الحساسية التشكيلية الناجمة كمسجد ادنبرة في اسكتلندا. على الطرف الآخر هناك مجموعة اخرى من المعماريين الذين ارادوا أن يوفقوا في اعمالهم بين العقلانية الحداثية التصميمية والانشائية والمعمارية من جهة والانتماء الى التراث المعماري الاسلامي من جهة اخرى، ولعل في المعماريين العراقي محمد مكيه خاصة في مسجد الكويت الكبير والأردني واسم بدران خاصة في مسجد بغداد الكبير وجامع قصر الحكم في الرياض والتركي بهروز شينشي في مسجد الجمعية الوطنية بأنقرة خير أمثلة على هذا الاتجاه.
وكان من الممكن نجاح هذه الاتجاهات المعمارية والأكاديمية في تحرير العمارة الاسلامية من محدودية خصوصية ثقافتها المفروضة عليها، وفتحها على تاريخ العالم الفني والإبداعي كعضو مساهم وفعال في التراث المعماري الإنساني المشترك في حالة منحها المسافة الزمنية المناسبة لبلوغ رشدها النقدي ولكن تسارع الأحداث السياسية الذي ثور الصحوة الاسلامية تمخضت عنها نظريات في العمارة الاسلامية لم تأت بجديد إلا اصرارها السابق على مناقشة تحليل وبرهان تفوق العمارة الاسلامية وتميـزها على عمارات الحضارات الاخرى، تماماً كما فعل منظرو العمارة الأوروبيـون بالنسبة للعمارة الغربية من خلال
اختراعهـم لسلسلة من تاريخ العمارة نفسها.
وما فات هذه النظريات الاسلامية الجديدة ان تلاحظه هو أن محافظتها على منهج «السلسلة التراتبية» كأساس لتأطير العمارة وان اعطت لنفسها المركز المتميز يدمغها بالصفة التمييزية العنصرية ويعزلها عن الخطاب المعاصر الذي انطلق في مغامرة منهجية ومعرفية تنظر الى تراث كل الحضارات المعماري على أنه تراث معماري انساني مشترك
رد: العمارة الاسلامية . من يعيد لها الأعتبار
شكرا لك على الكتاب المفيد
جزاك الله الف خير على كل ما تقدم
Seuadmair- نائب المدير
- التعارف : جوجل
الجنسيه :
الجنس :
عدد المساهمات : 301
تاريخ التسجيل : 09/07/2018
مواضيع مماثلة
» العمارة الاسلامية في مصر د كمال الدين سامح
» فقه العمارة الاسلامية خالد عزب
» العمارة الاسلامية في شرق افريقيا د حجاجي ابراهيم محمد
» فقه العمارة الاسلامية خالد عزب
» العمارة الاسلامية في شرق افريقيا د حجاجي ابراهيم محمد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:47 am من طرف Shehab
» المسكوكات الايوبية والمملوكية عبدالرحمن بن ابراهيم بن صالح البراهيم
الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:37 am من طرف Shehab
» السكه الاسلاميه في مصر د رأفت محمد النبراوي
الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:36 am من طرف Shehab
» كهف الأسرار ومشرق الأنوار للأسيوطى نسخة منقرضه
الأحد نوفمبر 17, 2024 12:53 pm من طرف يحيى
» كتاب الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين جزئين دأ . محمد حجي
الخميس نوفمبر 14, 2024 5:03 pm من طرف mustapha
» العلماء والسلطة العثمانية في الجزائر فترة الدايات 1671- 1830م تأليف رشيدة شدري معمر
الخميس نوفمبر 14, 2024 8:15 am من طرف داود
» كتاب في الايات والخواتم
الأربعاء أكتوبر 09, 2024 10:34 am من طرف محمد رضا
» كتاب سر الأسرار
الأربعاء أكتوبر 09, 2024 10:31 am من طرف محمد رضا
» السحر الاسود الفرعوني كتاب مليان طلاسم
الأربعاء أكتوبر 09, 2024 10:27 am من طرف محمد رضا